جانبٌ نادراً ما نراه في جلال الدين الرومي

جانبٌ نادراً ما نراه في جلال الدين الرومي

09 أكتوبر 2023
بقايا منزل جلال الدين الرومي في بلخ بأفغانسان، 2021 (Getty)
+ الخط -

قُطب الصوفية الأكبر، جلال الدين الرومي (1207 - 1273 م)، معروفٌ جدّاً في العالَم خارج إيران، لدرجة أنّك تقول لنفسك إنّه لا داعي للكتابة عنه. لكنّني أُحاول هنا أن أتطرّق إلى جانبٍ نادراً ما يراه المتحدّثُ غير الفارسي. ولعلَّ السبب هو أنّ المتلقّي غير الفارسي يتعامل مع ترجمة القصائد، وليس مع النصّ الأصلي.

يحظى الرومي بإشادة كبيرة خارج إيران. ولكن في إيران، ليست قليلةً الدراسات والمقالات التي تحتجّ على فكره، وخصوصاً طريقته الخاصّة في استخدام اللغة.

يغفل هؤلاء المعترضون عن نقطة مهمّة؛ وهي أنّ عظَمة جلال الدين الرومي وخلوده يرجعان إلى استخدامه لأيّة لغة يُريد. فهو لا يَعتبر اللغة غايةً، بل هي، بالنسبة إليه، أداةٌ للتعبير عن مشاعره واكتشافاته ومعلوماته.

ولذلك، يرى أنّ له الحق في استخدام اللغة كما يُريد. للرومي قصائد مذهلة؛ يجمع فيها بين أربع لغات. يكتب المقطعَ الأوّل باللغة الفارسية، والمقطع الثاني باللغة العربية، والمقطع الثالث باللغة التركية، ويُنهي القصيدة فجأةً باللغة اليونانية.

يشكو من استبداد اللغة، وفي الوقت نفسه يقاومها ويكسر سلطتها

وفي ديوانه "غزليات شمس"، هناك قصائد جميعُ أبياتها باللغة الفارسية، لكن قوافيها مفرداتٌ يونانية؛ وله قصائد أبياتُها باللغتين العربية والفارسية. إنّه يُذكّرني بالباليه أو التانغو؛ إذ تكون قصائدُه أحياناً أشبه برقصات جماعية.

قد يكون من ضيق الأفق أن يُقال إنّ "الرومي يستخدم كلّ هذه اللغات بشكل خاطئ"، لأنّ هذا الخطأ هو بالضبط جوهر عمل الرومي.

في بعض قصائده، يتذمّر صاحبُ "المثنوي" ويُبدي أسفه على كونه سجين اللغة، ومُجبَراً على التعبير عمّا لا يمكن التعبير عنه بكلماتٍ ناقصة وغير مناسبة. يعاني ويشكو من استبداد اللغة، وفي الوقت نفسه يقاومها ويكسر سُلطتها.

لذلك يتعمَّد أحياناً استخدام الكلمات بشكل خاطئ، مثل طفلٍ يريد أن يتكلّم لأوّل مرّة. مثلاً، يستخدم كلمة "سَلْط" بدلاً من "سطل" (الدلو)، أو كلمة "قُلف" بدلاً من كلمة "قفل".

مَن ينتقد اللغة في أعمال الرومي يجهل أنّ الرومي طفلٌ وراعٍ أمّيٌّ وامرأةٌ خجولةٌ ورجلٌ متمرّدٌ وعاشقٌ متحمّسٌ لرؤية حبيبته في قصائده المتنوّعة.

يستخدم الرومي اللغة بشكل اعتباطي ويسخر منها ليُحرّر نفسه من سلطتها، أو على الأقل ليُحرّر نفسه.

لو كان يعرف الطيران لقفز من الأرض إلى الهواء. لكنّه إنسانٌ مقيَّدٌ بالأرض والزمن واللغة. لذلك يُحاول أن يرقص ويركض ويطير إلى السماء بالكلمات.


* كاتبةٌ من إيران من مواليد 1992 في أصفهان

** ترجمة عن الفارسية: حمزة كوتي

آداب وفنون
التحديثات الحية
 

المساهمون