اللّحاق بالركب

اللّحاق بالركب

28 يوليو 2023
القارئ لـ لويس ماركوسي، 1937
+ الخط -

يستخدم روجر ألن هذا التعبير في كتابه "الرواية العربية"، الصادر عن "المشروع القومي للترجمة" (1997)، لوصف حالة الرواية العربية في زمَن نشأتها. فالكتَّاب العرب الذين اطّلعوا على المُنجز الغربي في مجال الرواية، وكانت لديهم الرغبة في التعبير عن مجتمعاتهم، عاشوا نوعاً من التوتر والقلق نجما عن الصراع بين البحث عن طرق جديدة في التعبير، وبين الصلة مع الماضي، حيث تتوفّر بضعة أشكالٍ تُقارب - بطريقة ما من الطرق - الشكلَ الرّوائي الغربي.

ويستشهد روجر ألن بما ذكره عبد الرحمن منيف ذات يوم في لقاء له في "مجلة المعرفة" من أنَّ "الرواية العربية بلا تُراث، وبالتالي فإنَّ أي روائيٍّ عربيٍّ معاصر لا بدَّ أن يبحث عن طريقة في التعبير". ويضيف منيف أنَّ "الرّوائي العربي يفتقر إلى دليل"، والدليل هنا يحمل معنى المُرشد، و"لذلك فهو مُعرَّض إلى أن يقع في بعض الأخطار، وأن تكون لديه بعض النواقص".

يؤكّد روجر ألن أنَّ مثل هذه الاستعارة، أي استعارة النمط الغربي في الكتابة، قد ساهمت في قهر تلك المحاولات التي سعى فيها بعض الكتَّاب إلى محاولة إحياء أنماط التعبير التي نشأت من قبل في المجتمع العربي، وهو يشير هنا إلى المقامة مثلاً، بسبب عدم قدرتها على التعبير عن هموم المجتمع المعاصر، دون أن يقطع الروائيون العرب صلاتهم نهائياً بالتراث العربي.

قدَّمت الرواية العربية مقترحات فنيّة عديدة للرواية في العالم

وهو يشير، أولاً، إلى جمال الغيطاني، الذي قد يكون المثالَ الأكثر دلالةً على محاولة الاستفادة من طُرق الحكي والسرد العربية في بناء رواياته التي تتصدّرها دون شك رواية "الزيني بركات". وعلى الرغم من أنَّ الغيطاني نفسه لم يتمكّن من تأسيس تيار أو أسلوب فنّي قادر على إنتاج الرواية عموماً، خارج نطاق عمله هو شخصياً، ولا شكَ أن لهذا الموضوع أسبابه الفنية الكامنة في النمط ذاته؛ فإنَّ المحاولة نفسها، تكسرُ قاعدة "الّلحاق بالركب"، إذ تُعلن أنّها استطاعت أن تُضيفَ اقتراحاً ما، بغض النظر عن أنّه لم يتمكّن من تأسيس الطريقة.

واللافت أنَّ الروائي الأميركي جون أبدايك يعترض على وجود الرَّاوي في رواية "مدن الملح" لـ عبد الرحمن منيف، قائلاً إنه لم يحقّق "درجة كافية من التأثّر بالغرب بحيث ينتج لنا عملاً سرديّاً نشعر بأنّه يُشبه إلى حدٍّ كبير ما نُطلق عليه اسم الرواية".
ولكن هذا يضعنا أمام أحد خيارين: محاكاة الرواية في الغرب، أو استعارة أشكال التعبير من التراث العربي؟ والحقيقة هي أن الرواية عموماً، لم تعد غربيّة، أي أن الشكل الغربي الذي نشأ هناك تعرض خلال مسيرته الطويلة في جميع أنحاء العالم، إلى ابتكارات متنوعة، استعارت من الأصل الكثير، وأضافت إلى هذا الأصل الكثير أيضاً.

وبهذا المعنى فإنَّ الروائي الأميركي نفسه يتجاهل أنَّ الرواية الأميركية ليست واحدة، وأن طريقة فوكنر في السرد لا تشبه "ما نُطلق عليه اسم الرواية"، أي أنّها لا تُشبه ما كتبهُ هو شخصياً، وأنَّ الرواية العربية قبل منيف، وبعد منيف، قدَّمت مقترحات فنيّة عديدة للرواية في العالم.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
 

المساهمون