القدس.. حركات طلابية ونسائية لمقاومة سياسات الأسرلة

القدس.. حركات طلابية ونسائية لمقاومة سياسات الأسرلة

21 نوفمبر 2023
دخان في سماء القدس خلال حرب الأيام الستّة عام 1967 (Getty)
+ الخط -

سنواتٌ سبعٌ تفصلُ عن تطبيق الاحتلال الصهيوني خطّته المسمّاة "القدس الكبرى"، التي ستفرِض أغلبية يهوديّة في المدينة تتجاوز 70 بالمئة، وتطمس الطابع العربي الإسلامي في عمرانها وثقافتها، مع استمرار التضييق اليومي على المقدسيّين بسبب الإغلاقات وجدار الفصل العنصري الذي يقطع القدس عن قراها. 

ثلاثمئة وخمسين ألف مقدسي يواجهون واقعاً مركّباً بسبب نزع حاضرتهم التي احتُلّت عام 1967 عن محيطها الفلسطيني، بحيث تظلّ القدس خارج اتفاقية "أوسلو" عام 1993، بانتظار الحلّ النهائي، وبذلك منعتهم "إسرائيل" من تمثيل أنفسهم في انتخابات بلدية أو نيابية، يمكنهم التحرّك من خلالها في تنظيمات سياسية دفاعاً عن مصالحهم، وإبقائهم تحت حكمه المباشر طوال ستّة وخمسين عاماً.

تُضيء مجموعة من الباحثين الشباب الأطرَ والحركات الاجتماعية التي ينخرط فيها المقدسيّون لمواجهة سياسات الأسرلة، في كتاب "الحركة الطلابية والنسائية والعادات والتقاليد المتوارثة في القدس"، الذي صدر حديثاً، ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" في وزارة الثقافة الأردنية، من إعداد "مركز دراسات القدس - جمعية يوم القدس"، وتقديم أستاذة التاريخ الحديث والباحثة الأردنية هند أبو الشعر. 

تسبّب الاحتلال بتسرّب نصف الطلبة المقدسيين في مطلع الألفية

في دراستها "الحركة الطلابية في ظلّ الاحتلال"، تقف الطالبة مريم صالح من "الجامعة الإسلامية" في غزّة، عند سعي حكومة الاحتلال لتحقيق سيطرة مُطلقة على قطاع التعليم العربي في المدينة، حيث يتحكّم اليوم بنحو 66 بالمئة من مدارسه، كما تمّ فرض المناهج التعليمية الإسرائيلية على المدارس الابتدائية العربية منذ عام 1968، التي تزوّر حقائق التاريخ الفلسطيني. واستمرّ التضييق على طلَبة المدارس والجامعات من أجل تركها نظراً لاكتظاظ صفوفها الدراسية وعدم وجود إمكانيات للتوسعة، مع نقص كبير في المكتبات والمختبرات والتجهيزات الرياضية، وفي أعداد المعلمين أيضاً. الأمر الذي تسبّب بتسرّب نصف الطلبة المقدسيّين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحسب الدراسات المتوافّرة.

وتشير الدراسة التي وُضعت سنة 2019، إلى استمرار سلطات الاحتلال في استهداف الحركة الطلابية ومداهمة منازل الطلبة والمعلمين لتقييد الاحتجاجات الرافضة لانتهاكاته، مع الإشارة لجملة معوّقات تعترض الحركة وفي مقدّمتها الانقسام بين الفصائل ما يحول دون توحيدها في جسم تنظيمي ويدفع إلى عدم استقلالية الناشطين وتراجع تأثيرهم، بالإضافة إلى محدودية مشاركة الطالبات فيها.

تعود الطالبة هند أبو نجيلة من "جامعة غزة"، في دراستها "نمو الحسّ الوطني للحركة الطلّابية الفلسطينية في القدس في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي"، إلى مشاركة الطلبة في الانتفاضات الثلاث: 1987 و2000 و2015، بل إنَّ الوقائع الموثّقة تلفت إلى أسبقيّة حركتهم خلال الانتفاضة الأولى على الحراك الشعبي، حيث فقدت عدداً من الشهداء خلال عام 1986، ما أدى إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة وفرض إقامات جبرية على عدد من الطلبة؛ الأمر ذاته تكرّر بأسر بعضهم في الانتفاضة الثانية ممّن اشتركوا في خلايا المقاومة ضدّ الاحتلال، كما نفّذ الطلبة خمس عمليات مقاومة في الانتفاضة الثالثة.

الصورة
غلاف الكتاب

رغم طغيان المشاركة السياسية على حركة الطلبة، إلّا أنّها واصلت الاحتجاج ضدّ قضايا تعليميّة، ومنها مواجهة فرض المناهج الإسرائيلية منذ احتلال القدس عام 1967، حيث نُفّذ الإضراب العام في المدرسة في تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها، ونجح في الإبقاء على المنهاج الأردني الذي كان يدرّس إبّان وحدة الضفّتين مع بعض التعديلات، تبعاً للدراسة.

وتبيّن أبو نجيلة أنَّ هذه المواجهة لا تزال مفتوحة إلى اليوم، لكن تخفيض الاحتلال الموازنات الخاصّة بقطاع التعليم، وإغلاق المراكز التعليمية، وتطبيق المنهاج الإسرائيلي على المدارس العربية، وتحديداً مناهج العلوم الإنسانية كالتاريخ والجغرافيا. وقد بلغ عدد طلبة القدس أربعين ألفاً، منهم 50 بالمئة يدرسون في مدارس بلدية الاحتلال، ويتوزّع النصف الثاني على المدارس الخاصة ومدارس الأوقاف ومدارس وكالة الغوث (الأونروا) ومدارس غير معترف بها.

وتختم بتحديد جملة تحديات تواجه الطلبة المقدسيين مثل ارتفاع نسبة التسرّب من المدارس التي تُعاني مشاكل متفاقمة، وقمع الحركة الطلابية، واستمرار سياسات الأسرلة في التعليم، وهي خلاصة تشترك معها الطالبة رهف الجمّال من "الجامعة الألمانية الأردنية" في عمّان في دراستها التي تحمل عنوان "الحركة الطلابية في القدس في ظلّ الاحتلال الصهيوني"، حيث يدفع الاحتلال إلى تغيير هوية المدينة وديمغرافيتها في وقت يتواصل فيه الانقسام الفصائلي الذي يترك تأثيرات سلبية على الحراك الطلابي، ويتسبب في عزوفهم عن الشأن العام.

شاركت الحركات النسائية في الثورة الفلسطينية عام 1935

يضمّ القسم الثاني من الكتاب دراستين عن واقع المرأة المقدسية وحراكها الاجتماعي؛ الأولى بعنوان "الحركة النسوية الفلسطينية في القدس" للباحثة فهيمة غنايم من "جامعة اليرموك الأردنية"، التي توثّق فيها بداية العمل النسائي منذ عام 1933، حيث أفرز حركات منظّمة اندمجت في الثورة التي قادها الشيخ عزّ الدين القسام بعد نحو عامين، وعملت على نقل القضية الفلسطينية إلى المستويين العربي والعالمي من خلال المشاركة في العديد من المؤتمرات والفعاليات.

وتستعرض أيضاً المنظمات النسائية التي أنشِئت في القدس وعملها قبل النكبة وبعدها، وعقب الاحتلال الإسرائيلي، ووصولاً إلى "أوسلو"، وما قدّمته المرأة من تضحيات في المقاومة إلى جانب عملها الاجتماعي، لكن الاتفاقية شكّلت أرضية لانتشار منظّمات ومراكز تُقصي أي دور للعمل الوطني.

أما دراسة "الحركة النسائية في القدس.. صراع وجود" للباحث أحمد ماجد الخواجا من "جامعة الزيتونة" الأردنية، فلا تقدّم تفاصيل أكثر عن سابقتها، حيث تركّز على بُعد نظري يتعلّق بتأريخ هذه الحركة وريادتها على المستوى العربي، بالنظر إلى أقدمية نشاطها وفعلها على الأرض، ودورها الفاعل في جميع محطّات النضال الفلسطيني.

تغيب الدراسات المَسحية والمقابلات الشفوية عن معظم الأبحاث في الكتاب، لكون أصحابها مُقيمين خارج القدس، في غزّة وعمّان، بحيث لا تقدّم صورة عن اللحظة الراهنة خاصة ما يتعلّق بواقع العمل النسوي، في تركيز على بداياته في الثلاثينيات وصولاً إلى التسعينيات، وعدم تحديد أسباب شاملة ومُقنعة حول تراجع حضور المرأة اجتماعياً وسياسياً في القدس.

يتناول القسم الثالث الحياة الاجتماعية والثقافية في ثلاث دراسات: "أبواب القدس.. عادات وتقاليد" للباحثة غزل هديب من "الجامعة الأردنية" في عمّان، في محاولة لإبراز تفاعل جماعات مُسلمة ومسيحية قدمت من بلدان وثقافات مختلفة مع المدينة وأهلها، وكيف أصبحت جزءاً من نسيجها الثقافي، و"عادات أهل القدس وتقاليدهم الموروثة" للباحثة بيان أبو ذريع من "جامعة الزيتونة" الأردنية، التي تستعرض التقاليد الرمضانية والأعياد وعادات الزواج والأزياء وأداء النساء للأغنية التراثية، والألعاب الشعبية، وجملة من الأمثال الساخرة.

ويقدّم الباحث معاوية غيث من "جامعة الزيتونة" الأردنية دراسة بعنوان "العادات والتقاليد في القدس" الذي يفصّل فيها أكثر عادات الأفراح بكامل طقوسها، وكذلك عادات الأتراح والعزاء، وتقاليد الأكل والشرب والملابس والمناسبات الدينية، واللهجات بين أهل مدينة القدس وفلّاحيها.

تلفت هند أبو الشعر في تقديمها إلى أنَّ أبحاث الكتاب يجمعها محور المكان، وهو القدس وفلسطين، في حين تتفاوت المرحلة الزمنية التي يتم تناولها، ما بين الزمن العثماني المتأخّر وعهد الانتداب البريطاني، وصولاً إلى مرحلة الانضمام للأردن، وأخيراً ما بعد حرب عام 1967، حتى اليوم، موضّحة أهمية التوثيق للحضور العربي، ومخاطبة العالم بالعلم والبحث والحجّة الموثقة، وضرورة إعداد فئات متمكّنة من الباحثين ليوصلوا بوسائلهم العلمية كلمة الحق التي تصادرها القوة الصهيونية بكلّ ما تملك من وسائل.

موقف
التحديثات الحية

المساهمون