وقفة مع محمود طرشونة

وقفة مع محمود طرشونة

30 يوليو 2018
(محمود طرشونة)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. هنا وقفة مع الأكاديمي والروائي التونسي محمود طرشونة الذي يقول "كنت سأختار المسار نفسه" في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- منشغلٌ بمراجعة كتابَين: الأوّل يتضمّن بحوثاً ودراساتٍ مهداةً لي من قِبل البعض من زملائي وأصدقائي وطلبتي القدامى، والثاني يتضمّن دراسات خاصة بمؤلّفاتي النقدية والروائية. ويُسعدني أن أشكرهم جميعاً على هديّتهم الثمينة.


■ ما هو آخر أعمالك وما هو القادم؟
- آخر ما صدر لي كان ترجمة كتاب "اليمن الإسلامي" السنة الماضية، وهو متمّم لكتاب سابق ترجمتُه عن الفرنسية بعنوان "اليمن السعيد". وقد نال الكتابان "جائزة الشيخ حمد للترجمة" في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. أمّا كتابي القادم فهو طبعة جديدة محيّنة ومزيدة، هي الرابعة، لكتاب "مدخل إلى الأدب المقارن وتطبيقه على ألف ليلة وليلة". وتتمثّل الزيادة في إضافة سبعة فصول لا تقلّ عن 120 صفحة ركّزت، خصوصاً، على الاتجاهات الجديدة في الأدب المقارن.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- رضا النفس عمّا ينتجه كاتبٌ غاية لا تُدرَك، إنَنا دوماً نريد الأفضل والأجمل والأدقّ. لذلك أُراجع باستمرار كتاباتي. ولكن، عندما أنظر في عناوين الأربعة وعشرين كتاباً التي أصدرتُها إلى حدّ الآن، ألاحظ أنّها متنوّعة وجامعة بين النقد والإبداع والترجمة، وأنّها كذلك تحتاج إلى مزيد من الإثراء، خصوصاً في مجال الكتابة الروائية. فالروايات الأربع التي شرعتُ في إصدارها منذ 1993 متنوّعة التجارب، فيها تحوّلٌ من الرواية الاجتماعية في "دنيا"، إلى الوجدانية في "المعجزة" (1996)، إلى التاريخية في "التمثال" (1999)، إلى الفكرية في "باب النور" (2015). وكلّ منها تخضع إلى بناء مختلف يتماشى وموضوعَها وغاياتِها.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- كنتُ اخترت المسار نفسه الذي أسلكه منذ كنت طالباً، أي مجال الأدب بحثاً وتدريساً، ونقداً وإبداعاً، وترجمةً وتحقيقاً، فهو محيطي الطبيعي وبحري الذي لا أنفكّ أغوص في أعماقه بحثاً عن دُرَره.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده من العالم؟
- ما أريده من تغيير في العالم يستحيل تحقيقُه، لأنّ السلم وحرية الشعوب في تقرير مصيرها والعدالة في توزيع الثروة أمور لا يحقّ لنا حتى أن نحلم بها، فالنظام العالمي القديم والجديد قائم على قانون الغاب، وعلى الاستهانة بحق الشعوب في الحرية والتنمية والمعرفة، وأَبْلَغُ مثال ما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ سبعين سنة، وما عاناه العراق من التسلّط الأميركي، وما نشاهده يومياً من تقطيع أوصال سورية واليمن وليبيا وغيرها. هناك بيت لأبي القاسم الشابي ينطبق أكثر من أي وقت مضى على الوضع الراهن: "مَا الْعَدْلُ إِلاَّ إِنْ تَعَادَلَتِ الْقُوَى وَتَصَادَمَ الْإِرْهَابُ بِالْإرْهَابِ".


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟
- أودّ لقاء الخليفة العبّاسي المأمون لأشكره على تفتّحه على الثقافات الأجنبية العريقة، وعلى تأسيسه "بيت الحكمة" في بغداد، وتكليفه المترجمين بنقل أمّهات الكتب إلى العربية، وعلى دعمه روحَ الاعتزال القائمة على العقلانية، وعلى تشجيعه الدراسات الفَلكِيّة، وتكليف بعثة علميّة بقياس محيط الأرض، وتعلّمه الهيروغليفية، وزيارته هرم الجيزة الأكبر، وتكليفه الخوارزمي بوضع جداول للنجوم، وقبوله هديته الغالية "كتاب الجبر والمقابلة"، وعلى تفاهمه سلميّاً مع "الإمبراطورية الرومانية المقدّسة" حتى بعد وفاة مؤسّسها شارلمان، وعلى اهتمامه بالجغرافيا وزيارة العديد من البلدان. ولكن، أودّ لقاءه أيضاً للومه على محاربة أخيه الأمين من أجل السلطة، وعلى فتحه جزيرتَي صقلية والكريت بحدّ السيف، في حين كان في إمكانه فتحهما بالمعرفة.


■ صديق يخطر على بالك، أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- الكتاب أعزّ صديق، لا يتنكّر لك، ولا يغتابك، ولا يحسدكَ، هذا لا يعني أنه ليس لي أصدقاء. ولكن الكتاب وحده هو الذي يستجيب لدعوتي في كلّ الأوقات. والكتاب الذي أعود إليه باستمرار كلّما ضاقت بي الدنيا هو ديوان محيي الدين بن عربي "ترجمان الأشواق". وكلّما عدتُ إليه طالعني بصورٍ ومواجد وأفكار تزيل الغمّة من الصدر، مثل قوله: "أَدِينُ بِدينِ الحُبِّ أَنّى تَوَجَّهَتْ رَكَائِبُهُ فَالحُبُّ دِيني وَإِيمَانِي".


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا سماعها؟
- أسمع وأعيد سماع مجموعة من أغاني الجاز بأصوات نسائية رائعة ليست جديدة ولكنّها بمرور الزمن صارت كلاسيكيّة تُسْمَع في كلّ أوان. وهذه أسمعها بالتناوب مع أغنية "سَلُوا كؤوسَ الطِّلا هَل لامست فاها" لأم كلثوم. نِعم السماع والمشاركة فيه.


بطاقة
محمود طرشونة من مواليد مدينة صفاقس عام 1941. أستاذ الأدب العربي في الجامعة التونسية، وهو إلى جانب ذلك ناقد وروائي ومترجم. من أعماله البحثية: "الأدب المريد في مؤلّفات المسعدي" (1978)، و"إشكالية المنهج في النقد الأدبي" (2000)، و"من أعلام الرواية في تونس" (2002)، و"ألسنة السرد" (2007)، و"سرديات عربية" (2016). كما صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "نوافذ" (1977).

دلالات

المساهمون