مائة وعشرة أعوام مع ابن حارتنا
هل يمكن أن نتخيّل موقع الأدب العربي في العالم من دون نجيب محفوظ الذي تمرّ اليوم الذكرى 110 لولادته؟ ليس لكونه العربي الوحيد الذي نال أشهر جائزة أدبية، نوبل للآداب عام 1988، بل أيضاً لأن مدوّنته الروائية تضيء طيف إشكاليات واسع مما يشغل الإنسان العربي المعاصر.
انتقل محفوظ، بكثير من الرشاقة، بين هموم المواطن البسيط في أعمال مثل "خان الخليلي" و"الحب فوق هضبة الهرم" إلى قضايا النخب، كما في "الكرنك" و"الشحاذ"، مقدّماً العناية نفسها وهو ينتقل من شخصية من حواري القاهرة مثل المعلّم كرشة إلى شخصيات أقرب إلى ملامح المفكّر كما هو الحال مع عمر الحمزاوي أو كمال عبد الجواد. كما تتجلّى صنعة محفوظ في بناء الشخصيات في قدرته على إقناع القارئ بتركيبات معقدّة يجعلها تبدو كأنها شخصيات من لحم ودم، وذلك حاله حين أطلق في ثلاثيته السيد أحمد عبد الجواد، وكذلك فعل مع سعيد مهران (اللص والكلاب)، وعباس كرم يونس (أفراح القبة).
طيف هذه الشخصيات مثل موسوعة للذات العربية المعاصرة، وسيجد القارئ الذي يأتي من ثقافات أخرى في العالم التخييلي الذي اقترحه نجيب محفوظ صورة شاملة متكاملة وحيّة عن عينة من هذه المجتمعات العربية التي لا يسمع عنها عادة إلا عبر وسائل الإعلام في صورة مركّبة قلما تكون مطابقة للواقع.
حتى حين يذهب محفوظ إلى الترميز كما في "أولاد حارتنا" أو "الحرافيش" و"ليالي ألف ليلة"، فهو يظل مخلصاً للتصوير الدقيق لما يعتمل في النفوس ولعلّ في ذلك ما يجدّد فتنة نصوصه، بل لعلّها تزداد فتنة بمرور السنوات والعقود. إنها الصورة الأصدق عن حارتنا...
نصّ: شوقي بن حسن