تيسير خلف.. هنا كوراني ونشأة الحركة النسوية السورية

تيسير خلف.. هنا كوراني ونشأة الحركة النسوية السورية

03 فبراير 2020
(هنا كسباني كوراني)
+ الخط -
ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات التي تضيء على محطّات وأحداث بارزة في التاريخ الاجتماعي في سورية الحديثة، في محاولة لتوثيق وفهم التركيبة السكانية والتراتبية الطبقية وعلاقات فئات المجتمع بالسلطة وببعضها بعضاً، إلى جانب الإضاءة على تأسيس النقابات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.

في هذا السياق، صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني 1892-1896" للباحث والروائي الفلسطيني السوري تيسير خلف.

يتناول المؤلّف تجربة واحدة من أبرز الكاتبات والناشطات السوريات نهاية القرن التاسع عشر، والتي تساهم دراستها في تعميق الوعي ببواكير نشوء الحركة النسوية في المشرق العربي، والاتجاهات الفكرية والفلسفية التي أثرت فيها. فهذه التجربة تشكل مادة غنية عن حالة نادرة من حالات التفاعل والمثاقفة بين الشرق والغرب.

يتألف الكتاب من مقدمة عن هَنا كوراني وبيئتها الاجتماعية والثقافية، وثلاثة فصول؛ في الأول، "مؤتمر شيكاغو النسائي"، يعرض خلف لحضور صاحبة كتاب "التمدّن الحديث وتأثيره في الشرق" في هذا المؤتمر، فهي حين ألقت فيه خطابها الشهير في عام 1893، اقتحمت مجتمع النخبة الأميركي بقوة بفضل كلماتها المؤثرة وألفاظها الإنكليزية البليغة وزيها الشرقي المميز، وتحولت سريعًا إلى نجمة في صحافة العالم الجديد، وضيفة مميزة في صالونات الطبقة البرجوازية، ومحاضِرة محترفة في المنتديات الأدبية والاجتماعية للحديث عن عوالم الشرق المبهمة، وعاداته وتقاليده، وأوضاع نسائه ورجاله.

يتحدث الكاتب في الفصل الثاني "خطيبة محترفة في بلاد العم سام"، عن ارتباط كوراني في أثناء فعاليات المؤتمر النسائي العالمي بصداقة متينة مع سيدة أميركية، كانت تُعَدّ من أبرز رموز تحرير المرأة، وعرّابة حق التصويت للنساء في الولايات المتحدة، تدعى ماي رايت سيوول. وكان لهذه الصداقة أبلغ الأثر في التحولات الفكرية التي طرأت على كوراني، في الفترة التي أعقبت نهاية المعرض الكولومبي. وكان للندوات والمحاضرات والنقاشات آنذاك أثر بالغ في صقل أفكار كوراني في هذه المرحلة، لكن لا يمكن إغفال تأثير الجلسات التي كانت تنظمها سيوول وزوجها في منزلهما في إنديانابوليس، حيث أمضت وقتًا ثمينًا في ضيافتهما، كما قالت في رسائلها. ولعل أبرز نتائج هذه الصداقة بين السيدتين ترشيح هَنا كوراني للمشاركة في المؤتمر السنوي الـ 26 لحق المرأة في التصويت في عام 1894.

جاء حديث خلف في الفصل الثالث "المرض والعودة" عن تلقّي هَنا كوراني دروساً في تعلم ركوب الدراجة الهوائية، وعن التقاطها عدوى عُصيّة السل، وإبحارها على متن السفينة "نيويورك" لتزور بعض الأصدقاء في باريس والإسكندرية قبل أن تذهب إلى مسقط رأسها قرب بيروت في سورية، على أن تعود إلى الولايات المتحدة الأميركية فور تحسن صحتها للحصول على الجنسية الأميركية.

وفي هذا السياق، يؤكد المؤلف أنه بعد عودة كوراني إلى بيروت، وعلى الرغم من حالتها الصحية، فقد ألقت في 26 أيار/ مايو 1896، محاضرة بعنوان "التمدن الحديث وتأثيره في الشرق"، تحدثت فيها بإسهاب عن ملامح الحضارة والتمدن في التاريخ القديم، ومنه التاريخ العربي الإسلامي، وفي العالم المعاصر، داعيةً أبناء وطنها إلى نهضة شاملة من خلال الاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى.

المساهمون