"النظر في المرآة": في فهم استراتيجيات الكتابة

"النظر في المرآة": في فهم استراتيجيات الكتابة

25 اغسطس 2019
مقطع من عمل لـ صلاح شاهين/ الأردن
+ الخط -

في كتاب "النظر في المرآة"، الصادر مؤخراً عن منشورات "شهريار"، يحضر ثلاثون كاتباً متحدثّين عن سؤال الكتابة بالذات، ففي الوقت الذي تتشعّب فيه نصوصهم الشعرية والسردية متقاطعة مع مختلف مشارب الحياة، فإن سؤال الكتابة يظلّ منسياً رغم حضوره. 

ينطلق هذا الكتاب، بحسب محرّره، الشاعر والناشر العراقي صفاء ذياب من سؤال: "ما الطرائق التي يُكتب بها النصّ الإبداعي؟"، وهو سؤال دارج في الثقافة الغربية لكننا لا نجد له نفس الصدى في ثقافتنا العربية.

يقول ذياب في حديثه إلى "العربي الجديد": "غالباً ما نسأل أنفسنا، كقرّاء، كيف تمكّن إدواردو غاليانو من تفكيك جسد الرواية وبذرها بهذا الشكل في كتب لا تشبه الرواية بشيء، غير أنها رواية بشكل أو بآخر. عربياً يطرح السؤال نفسه على أعمال مثل "المملكة السوداء" لـ محمد خضير، وفاضل العزاوي في "مخلوقات فاضل العزاوي"، وإلياس فركوح في "غريق المرايا"، وغيرهم من الكتاب العراقيين والعرب. لذا بقي سؤال: كيف تكتب؟ وما التقنيات التي تكتب فيها الأعمال الإبداعية؟ مؤرّقاً لدى الكثير".

يضيف: "غير أن الدافع الأكبر الذي جعلني أبدأ في هذا المشروع هو سؤال الشباب الدائم حين يزورون الدار (يدير محدّثنا "شهريار") هل هناك كتب تعلّمنا كيف نكتب؟ فبدأت من هذا السؤال الفكرة الرئيسة للمشروع. وما شجّعني أكثر استجابة أساتذتنا له بشكل جميل، وكأن هذا السؤال كان دافعاً للحديث عن المشاريع التي جعلتهم يدفعون جلّ حياتهم من أجل إنتاج كتاب مختلف وجديد".

اختيار ثلاثين كاتباً لإنجاز هذا العمل لا يمكن أن يكون اعتباطياً، فأي معايير اعتمدها ذياب في كتابه؟ يقول: "لم يكن الاختيار سهلاً في بداية المشروع، فقد كانت الفكرة الرئيسة أن يتم اختيار كتّاب من مختلف البلدان العربية أولاً، ولهم تجربة واضحة المعالم ثانياً، ولهم أساليب مختلفة ثالثاً. غير أن هذه الشروط كانت صعبة التطبيق إلى حدٍّ بعيد، فقد استكتبت أكثر من 60 كاتباً، بعضهم لم يفتح الرسائل حتّى، وآخرون لم يكلّفوا أنفسهم الإجابة ولو بكلمة اعتذار عن المشاركة، وآخرون تعاملوا باستعلاء، وكأن سؤال الكتابة سؤال سطحي هم بغنىً عنه. وفي الوقت نفسه، هناك كتّاب لهم تاريخهم الأدبي، ولهم تجربتهم وقراؤهم، كانوا متعاونين إلى أبعد حدّ، وهؤلاء تجاوزوا الأربعين كاتباً، غير أن بعض الكتابات كانت بعيدة عن هدف المشروع، فتمّ الاعتذار منهم".

يتابع: "في النهاية جَمع الكتاب ثلاثين مبدعاً عربياً من دول مختلفة، وكان من أهم أسباب اختيارهم، أنهم وعوا ما الذي أراده المشروع، ومن ثمَّ كانت كتاباتهم واضحة المعالم، وستصل إلى المتلقي بمختلف توجّهاته ومستواه الثقافي. فالمشروع في أساسه ليس للمحترفين، لكنه في النهاية أصبح أكثر احترافاً مما كان مخططاً له، فالكتاب الآن يخاطب طبقات كثيرة من القرّاء، إن كانوا محترفين أو هواة، أو حتى لقراء جدد ليس لديهم خبرة في التعامل مع الكتاب".

حول أهمية طرح سؤال الكتابة في ثقافتنا العربية، يقول الشاعر العراقي: "ما زال هذا السؤال مهمّاً وملحّاً على مستوى الثقافات جميعاً، وليس الثقافة العربية فحسب. هذا السؤال كان شاغل النقّاد والقرّاء على حدٍّ سؤال. وإذا عُدنا إلى النظريّات النقدية عموماً منذ أرسطو وحتى الآن، فجميعها تحاول الإجابة عن هذا السؤال. محاكاة أرسطو كانت جواباً عن سؤال الكتابة، وتنظيرات ويليك وتشارلز وتودوروف وبارت ومن ثمَّ النقّاد العرب لم تكن بعيدة عن سؤال الكتابة، بل كانت تصب في عمق هذا السؤال". يضيف: "ومن ثمَّ، فإن جميعنا كقرّاء نبحث في ثنايا أي كتاب نقرؤه عن جواب لهذا السؤال، لماذا أثارنا كونديرا أو بلزاك وبدأنا نتابع ما يكتبون إلا لفهم طرائقهم وتقنياتهم.. حتى متعة ما ينتجونه من إبداع كان محاولة للكشف عن هذه التقنيات".

من هنا، يتساءل ذياب: "لماذا لا نبحث عن تلك التقنيات لدى الكتّاب العرب؟ أليس هذا أولى بنا في وقتنا الحالي؟"، ويعقّب بالقول: "على سبيل المثال، فإن التحوّلات التي مرّ بها فاضل العزّاوي، كانت تحوّلات بحاجة إلى إجابة عن مثل هذا السؤال، من شاعر عاشق للشعر، لروائي، لناقد، ومن ثمّ لمدوّن كشف تاريخ جيل الستينيات في كتابيه: "الروح الحية" و"بعيداً داخل الغابة". وهكذا بالنسبة إلى الكتّاب الآخرين، فنجد أحمد عبد اللطيف يتنقل بين القصة القصيرة والرواية والترجمة. كذلك لدى صدّوق نور الدين، الذي أصدر كتباً في القصة والرواية والنقد، وغيرهم الكثير من الكتّاب العرب الذين نحن بحاجة إلى فهم طرائق تفكيرهم وتقنياتهم في الكتابة".

تأتي هذا العمل بصيغة كتاب جماعي وهي ظاهرة تبرز في السنوات الأخيرة عربياً، وحولها يقول الناشر العراقي: "منذ سنوات ليست بالقليلة أصبح القرّاء يُقبلون على الكتب الجماعية أكثر من الكتب الفردية لأسباب عدّة، منها أن القارئ يجد أكثر من كاتب يتابعه في هذا الكتاب، ومن ثمَّ سيجد آراءً مختلفة، ونصوصاً تتنوع حسب مستويات القرّاء. لذا أصبح الإقبال على الكتب الجماعية في السوق العربية عموماً، وفي المعارض على وجه الخصوص ممتازاً، وهذا ما لمسته في أكثر من كتاب جماعي أصدرته دار شهريار، مثل "بلاغة الجمهور" و"البلاغة الثائرة" و"التحليل السيميائي للخطاب الإشهاري"، على الرغم من تخصّص هذه الكتب، فضلاً عن كتب أخرى كانت غير متخصّصة".

المساهمون