"الغريب المصنّف" لابن سلام: نشأة المعجمية

"الغريب المصنّف" لابن سلام: نشأة المعجمية

31 ديسمبر 2019
نجا المهداوي/ تونس
+ الخط -

منذ القرن الثاني الهجري، ومع دخول العديد من الشعوب غير العربية في الإسلام، انتشرت مؤلّفات عنت بكلّ ما هو غير مألوف في اللغة، حيث وضع مؤلّفون كتباً عديدة حاولت أن تحصي تلك المفردات الغريبة وغير المتداولة، وتُبيّن دلالاتها وطرائق استخدامها.

من بين هؤلاءعالم اللغة والفقيه أبو عبيد القاسم بن سلام (774 - 838)، الذي وُلد في خراسان، وغادرها إلى بغداد لتلقّي دروس الفقه والأدب عن أساتذتها، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه ويعمل في التدريس وتأديب أبناء الولاة، كما وضع عشرات الكتب والمخطوطات؛ منها: "غريب الحديث"، و"غريب القرآن"، و"معاني القرآن"، و"الشعراء"، و"القراءات".

عن "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون" (بيت الحكمة) بالاشتراك مع "دار سحنون"، صدرت حديثاً طبعة جديدة منقّحة من كتابه "الغريب المصنّف"، بتحقيق الباحث التونسي محمد المختار العبيدي، وكان الباحث المصري رمضان عبد التواب قد حقّق نسخة منه نُشرت عام 1989.

يوضّح المحقّق في تقديمه: "ظلّت المدوّنات الأولى لكتب الغريب مفقودة، فلم يصلنا ممّا ألّف الأصمعي منها وأبو عبيدة وأبو عمرو الشيباني وغيرهم شيئاً يُذكر. ويُعتبر هذا الكتاب الذي وضعه أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي أوّل ما وصلنا من كتب الغريب، وهو يجمع في طيّاته كتباً مختلفة من الرسائل المفردة السابقة له والمتخصّصة مثل كتاب الحيل وكتاب الأطعمة وكتاب السلاح.. إلخ".

وبتابع: "يُعدّ هذا الكتاب مصدراً أساسياً لما صنّف بعده من أمهات معاجمنا الكبرى مثل الصحاح للجوهري والمخصّص لابن سيده وغيرهما. لكننا لا نستطيع اعتباره معجماً بل هو في المنزلة بين المنزلتين في تاريخ المعاجم العربية لمكانته ين الرسائل المفردة والمعاجم المهيكلة، فهو يمثّل "ذاكرة تاريخية" عجيبة من الاستعمالات المنسية التي تُظنّ مفقودة".

ويلقت العبيدي إلى أنه "يكفي أن نقرأ هذا الكتاب لنتعجّب من القدرات التعبيرية التي يوفّرها للمستفيد منه، خاصةّ أن أبا عبيد القاسم بن سلام لا يقدّم المفردات في قوائم جافة بل في سياقاتها من الشواهد الشعرية في الغالب".

استغرق تأليف "الغريب المصنّف" حوالي أربعين عاماً، وقد قسّمه صاحبه إلى خمسة أجزاء، تبدأ بخلق الإنسان وصفات النساء، ثم صفة الجبال والأمتعة، فالإبل، ثم الطيور، وينتهي بالزرع والفاكهة والرياح والأمطار، وسواها.

ومن أسماء أجزاء الإنسان التي يوردها ابن سلام: "النواشرُ، عروق باطنِ الذراع"، و"الأشاجع عروق ظاهر الكفّ"، و"الأسَلَة، مستدَقّ الذراع"، و"الخُضمّة، عظمة الذراع"، "واليَسَرَة، أسرار الكف إذا كانت غير ملتزقة".

المساهمون