"الهامشيون".. خارج مجتمع المظاهر المعلّبة

"الهامشيون".. خارج مجتمع المظاهر المعلّبة

09 ديسمبر 2017
(من فعالية إطلاق المطبوعة، 25 نوفمبر2017)
+ الخط -

لا يعتمد نجاح الأنظمة السياسية الحديثة على مدى العنف والهيمنة والقمع بالأساليب التقليدية، بقدر ما يعتمد على قدرتها على صناعة البدائل وسياقات المعارضة التي تحدّدها مسبقاً، بوصفها فضاء هامشياً يمارس من خلاله المعارضون دورهم، ليظلوا بوعي أو دونه جزءاً من المنظومة. في محاولة لكسر هذه الدائرة المفرغة أصدر الأكاديميان ستيفانو هارني وفريد موتين عام 2013، مجموعة نصوص تحت عنوان "The Under commons: Fugitive Planning & Black Study" تتناول الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر، في ضوء نظريات وممارسات التقليد الأفرو-أميركي الراديكالي.

تحت عنوان "الهامشيون" كنظير لمصطلح "الأندر كومون" في اللغة العربية، صدر كتاب يضم خمسة نصوص، لكل من آية نبيه، ويوسف رخا، ومحمود عاطف، وهبة شريف، ومحمد ربيع، بالإضافة لمحاضرة أدائية لمحمد عبد الكريم.

تضمّنت المطبوعة في مقدمتها شرحاً مفصّلاً لفكرة الأندركومون/ المهمشون: "لا يسعى الفرد الأندركومون إلى طرح حلول أو بدائل، لأن تبّنيه لموقف الأندركومون/ المهمشين يقتضي الانشقاق عن المواقف السائدة وتبني اللاموقف.

ومن موقعه على حدود المجتمع، وبعيداً عن ضوابطه، يسعى لدراسة الوضع، ليس بهدف إنتاج المعرفة، ولكن بغرض الإعداد لما سيأتي لاحقاً. فيصبح بمثابة المشاهد الذي يدرس ويرفض: يرفض الخيارات والسلطة، ويرفض الاستقرار، ويمتنع عن طرح بدائل لأنه ببساطة لا يعرفها بعد".

أحد الملامح الرئيسية الحاضرة بقوة في نصوص المطبوعة هو "الديستوبيا"، ليس باعتبارها نموذجاً للحياة الكابوسية فقط، ولكن بوصفها جزءاً من حياتنا المعاصرة، نعيشها، نتفاعل معها، نؤثر فيها، وتؤثر فينا، وتتحوّل حقائقها إلى خيال، وينقلب خيالها لواقع في لحظات.

هذه الحالة من الديستوبيا المعاصرة تظهر مع النص الأول في المطبوعة بعنوان "المكان" لآية نبيه، تقول في أحد مقاطعه: "كأنّ الكل مدرك أن نهاية ما توشك أن تحدث، سيتوقف معها كل نداء على أي حال، سنفقد حماسنا لأن نقول شيئاً في المضارع، ولن نجرؤ أن نقول: شيءٌ ما سوف يكون"، وفي مقطع آخر تقول:" داخل بناية ضخمة تنتمي نظرياً إلى بلد ما، لكنها لم تتلوث به. مجتمع المظاهر المعلبة غائب هنا، يحلّ محله مجتمع يتكوّن ويتفكك عدة مرات في اليوم الواحد".

بينما يأخذنا نص يوسف رخا، "سرّ الأصابع الأربعة"، في جولة للمستقبل القريب، حيث تعاد صناعة الأساطير منطلقة من حاضرنا الآني، لنشاهد كيف يمكن أن تتحوّل حياتنا اليومية بكل إرثها السياسي والاجتماعي والديني إلى أساطير للأجيال القادمة. يكتب: "في البداية قيل إن هذه الإشارة هي إحدى إيماءات مليشيا المثقفين العامة لدى كارتيلات الكهرباء في القرن الماضي، والمعروفين بالليزر لاستخدامهم رشاشات تشبه ذلك النوع من الطاقة. قيل أيضاً إن أصلها يعود لعلامة النصر: V وقد تضاعف ليصبح W".

في إحدى خطبه، استخدم الرئيس المصري الحالي مصطلح "تثبيت" الدولة في حديثه عن مدى الصعوبات والتحديات التي يواجهها المجتمع المصري، وسرعان ما تحول مصطلح "تثبيت" إلى مجموعة هائلة من التعليقات والرسومات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالمصطلح الذي يبدو معناه لغوياً واضحاً ولا لبس فيه، له معنى اجتماعي يستخدم في وصف فعل قطاع الطرق، فعندما يخرج عليك شخص شاهراً سلاحه ليحصل على مالك، فإنّ هذا الفعل يُسمّى في العامية المصرية "تثبيت".

من هذه المفارقة بين لغة النظام ولغة الشعب، ينطلق الكاتب ومحرّر المطبوعة محمود عاطف، محاولاً تقديم قراءة مختلفة للفكرة، يقول: "كل متن يخلق لغته ليسيطر بها على عالمه؛ إذ إن السيطرة على العالم تتم عبر تسميته. وليست التسمية مجرّد الإشارة، بل إنها تشمل كذلك معاني التفسير والتعليل والشروحات".

يضيف: "لقد صار الهامش ذاته مجموعة من التهويمات والخيالات المنفصلة عن واقعها التي يتحوّل بها لوجود هش وغير مكتمل، وفي سبيل الحفاظ على وجوده الاستعاري فإنه ينكفىء على نفسه ويتمحور حول ذاته. ومن ثم فإنه أمام أي تهديد، قد يطاول هشاشته، يصبح أكثر عنفًا، وحينها يرتد لصورة المتن الذي قام بالأساس لخلخلة دعائمه".

المساهمون