تاريخ هانز هيرمان هوبه القصير للبشر

تاريخ هانز هيرمان هوبه القصير للبشر

18 نوفمبر 2017
("مكتب حكومي"، جورج توكر، أميركا، 1956)
+ الخط -

من يقرأ كتاباً للاقتصادي الألماني الأميركي هانز هيرمان هوبه سرعان ما يكتشف قدرته على جعل القارئ يشكك في كل ما كان يثق به حول تاريخ البشرية الاقتصادي والاجتماعي.

وهو يفعل ذلك من حيث يعيد طرح الأسئلة البديهية ليخرج بإجابات لا تنطبق عليها طبيعة هذه الأسئلة، يمكن أن يلمس القارئ ذلك في كتابه الصادرة ترجمته حديثاً "تاريخ قصير للبشر.. الصعود والانحطاط" (دار سطور) وقد نقله إلى العربية حيدر عبد الواحد راشد.

الكتاب تصوّر تاريخي يبدأ من نشوء الملكية الخاصة والعائلة، مروراً بفخ المالتوسية (نسبة للاقتصادي الإنكليزي توماس مالتوس)، وحتى الثورة الصناعية التي انطلقت مع بداية القرن التاسع عشر، والتأملات في التاريخ الاجتماعي حولها، وصولاً إلى الأرستقراطية ثم الموناركية (الحكم الملكي) وحتى الديمقراطية، أمور تلخص الخريطة التي سار عليها الكاتب ليبني مفهومه لتاريخ قصير للبشر.

يحاول تلميذ هابرماس أن ينسج التاريخ الإنساني بخيوط من علم الاجتماع والأخلاق والنظريات الاقتصادية لتقديم عرض صعب يربط بين هذه المجالات التي تكوّن بمجموعها قصة المجتمع الإنساني عبر العصور. ويتساءل هوبه عن الكيفية التي تتطوّر بها الروابط الأسرية والاجتماعية، ويبحث في الأسباب التي تجعل من مفهوم الملكية الخاصة مفهوماً جوهرياً لتطوّر الإنسان، ثم يبحث في ما جعل القفزة من مجتمع الكفاف إلى المجتمع الصناعي ممكنة، وكيف انتقلت المجتمعات من الأرستقراطية إلى الملكية إلى دول الرفاهية الاجتماعية، ثم كيف أصبحت الحكومات المركزية الحديثة تملك زمام كل جانب من جوانب حياة الفرد تقريباً.

ثلاث لحظات أساسية في تاريخ تطوّر المجتمعات توقف عندها صاحب "الديمقراطية: الإله الذي أخفق"، الأولى يشرح فيها الملكية الخاصة العائلية بوصفها أساس الثورة الزراعية التي حدثت قبل 11 ألف سنة في الهلال الخصيب، وأثرت على تاريخ الإنسانية منذ ذلك الوقت حتى القرن التاسع عشر. ومع بداية هذا القرن انطلقت الثورة الصناعية؛ والتي قبلها كان الإنتاج على قدر الاستهلاك تماماً وكانت البشرية تعيش بمنطق الكفاف فما ينتج يؤكل بسرعة، فبحسب الكاتب كان الإنسان، قبل مئتي عام فقط، قادراً على تحقيق نمو سكاني متماشٍ مع نمو دخل الفرد.

أما اللحظة الثالثة التي يتوقف عندها، فهي تطوّر الدولة وتحولها من الموناركية إلى الديمقراطية، أي من المفترض أنها تحولت من "حكم الملك المطلق" إلى "حكم الشعب المطلق"، ثم احتكارها صناعة القرار، وممارستها سلطة التشريع وفرض الضرائب.

من المعروف أن هوبه يتبع المدرسة النمساوية في الاقتصاد، وهو يسعى في معظم أعماله إلى إثبات أنها وسيلة مناسبة لفهم التاريخ، ويعد هذا الكتاب أحد أفضل الكتب التي توضّح رؤية هذا التيار الفكري الذي يقوم على ضرورة تغيير الدولة البيروقراطية، ويكشف قدرتها على سلب الحريات من حيث تطالب بتطبيق المساواة.

المساهمون