حرية التعبير ونقد الدين: ما بين الحقوق والمطالب

حرية التعبير ونقد الدين: ما بين الحقوق والمطالب

31 مايو 2020
+ الخط -

حرية التعبير هي حق من حقوق الإنسان التي لطالما سالت دماء المناضلين وبُحّت حناجر المطالبين من أجل الاعتراف بها وتأطيرها قانونياً. فمن حق الجميع اليوم أن يعبّروا عن آرائهم وأن ينتقدوا كل ما بدا لهم أمراً يستحق الانتقاد. ولكن في المقابل، من الواجب التحلي بالمسؤولية والاحترام أثناء ممارسة هذا الحق، والتعايش في مجتمع واحد يراعي مشاعر الآخرين، خصوصاً إن تعلّق الأمر بواحد من أكثر المواضيع حساسية عبر التاريخ؛ الدين. فمهما كان تسامح الفرد كبيراً، إلا أن الدين يظل دائماً خطاً أحمر يصعب الخوض فيه، فكيف الحال حين يتم الاستهزاء به؟

تتعدد القواعد والضوابط التي تنظم حياتنا اليومية، وتحكم علاقاتنا كمجتمع مع الحفاظ على توازنها بيننا. ويؤدي غياب هذه الضوابط إلى اختلال موازين القوى، إذ تصبح الكفة داعمة لفئات تمارس حريتها على حساب فئات أخرى، ما يؤدي إلى ردود فعل عنيفة قد تقحمنا في دوامة من الصراعات - نحن كمجتمع فيه ما فيه - في غنى عنها.

لا يزال نقد الدين محل جدل دائم، خصوصاً في المجتمعات الشرقية المحافظة. وحتى في المجتمعات الغربية التي تُعرف بانفتاحها وبفصلها للدين عن السياسة، كانت الجرأة هي السمة المشتركة لمن قرروا تجاوز حدود المنع والخوض في الدين، كحال الكوميديين الذين عالجوا قضاياه من منظور ساخر. ورغم كل ذلك الانفتاح، ظل أغلبهم ضحايا لحملات تقييد ومضايقات مزعجة، ولو أنها ليست بالشكل الذي نعرفه في الشرق إلا أن وجودها حقيقة لا يمكن تجاهلها.

وبالعودة إلى مجتمعنا المغربي، فرغم كل ما تعرفه الساحة من "تحولات" مهمة، إلا أن الأمر لا يختلف عن باقي دول الشرق المحافظ، والذي يعتبر موضوع الدين قدسياً ونقطة حمراء لا يجوز المساس بها، بل وصعب جداً أن نناقشها، فما بالك بالاستهزاء أو السخرية؟

كل هذا يحيلنا إلى تساؤل جوهري، وجب الوقوف عنده بحيادية وموضوعية تامة.

أين نحن من هذا الاحترام الذي نطالب به تجاه الإسلام ورموزه؟ وهل نحترم بدورنا جميع الديانات وتعاليمها؟

حين نقوم بتحليل بسيط لبعض الأشرطة والتدوينات الرائجة أخيراً في مواقع التواصل الاجتماعي والمنسوبة لبعض المحسوبين على التيار الإسلامي، نلاحظ قدراً كبيراً من الكراهية والتحريض على العنف، يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ردة الفعل التي نتوقعها من أي شخص ينتمي لديانة مختلفة حين سماعه لمثل هذه الخطابات، وإحساسه بمدى الحقد الذي يكنّه أصحابها لهم، لا لشيء سوى لاختلافهم عنهم في المعتقد، رغم أنهم قد ينتمون لبلد ومجتمع واحد.

وفي المقابل، نستحضر أحد الأشرطة الذي انتشر بدوره بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه مواطنون مغاربة شباب في زيارة لما يبدو أنه معبد بوذي في الهند. الشريط يوثق تظاهر هؤلاء الشباب بتأدية ترنيمة بوذية في حين أنهم يقومون بالاستهزاء بتلك الطقوس بشكل يدعو إلى كثير من الاستفزاز. ورغم أن تعاليم الإسلام نفسه تدعو إلى التسامح والتعايش وعدم سب معتقدات الغير، إلا أن هذا لم يمنع من مشاركة هذا الشريط في العديد من الصفحات والمجموعات على مختلف وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي في شيء من الضحك والدعاية.

يبدو أن مشكلتنا، نحن المتدينين، تكمن في كوننا نظن أننا وحدنا على صواب. وحيث إن جميع الديانات الأخرى محرفة أو محض تخاريف، فإننا نمنح لأنفسنا حق التطاول عليها وتحقيرها.

خلاصة القول، الاحترام الذي نطالب به لا بد أن يسبقه احترام نمنحه للغير. وحريتنا تنتهي عند المساس بحرية الآخرين.