سمر رمضاني... "أبو نشح" يستحم كل يوم (2)

09 مايو 2019
+ الخط -
استمر الحديث خلال جلسة السمر الرمضانية الإسطنبولية، المنعقدة في منزل الخال أبو جهاد، حول موضوع الحَمَّام الذي كان الأقدمون يسمونه "نعيم الدنيا". قال كمال ما معناه إنهم أسموه نعيم الدنيا لأن الاستحمام كان نادر الوجود، ولا سيما في البيئات التي تعاني من شح المياه، وبعد الاستحمام يشعر المرء بالارتياح والانشراح، لأن مسامات جسمه تتفتح، وتزول منه روائح الجسم التي يسميها أهل حلب (الخَمّة).

تَدَخَّلَ أبو الجود وقال: في نكتة بتلخّصْ هادا الموضوع، بتقول إن واحد من الأشقيا المشردين في البراري التقى برجل من أهل الحَضَرْ، وصار بيناتُنْ تعارف، ومن حديث لحديث صاروا صديقين، والحضري دعاه لزيارة بيتو، وحبّ أنو يكرمه بشكل جيد فأطعمه حلوى (الكنافة أمّ النارين). الشقي أكل بطريقة "حَرْبَجِيّة" أو، متلما بيقولوا: إما قاتل أو مقتول! وبعدْما أجهزْ على محتويات الصينية اللي كانت مليانة كنافة ولَحَسْ القَطْرْ، سألو صاحب البيت: بتعرف أشو اسم الأكلة اللي تناولتها يا أخا العرب؟

فقال: لا بالله، ولكن جَدّي الله يرحمه كان يسولف لوالدي، ووالدي الله يرحمه سولف لي، بأن الحَمَّام نعيم الدنيا، وأظن هاي الأكلة هي الحَمَّامْ!


ضحك الحاضرون. وقال العم أبو محمد: أنا كلما تقدمتْ بالعمرْ بشعر أنو ذاكرتي تتراجع. ممكن تذكروني بالسبب اللي خلانا نحكي عن الحَمَّام؟

قال أبو زاهر: الحديث، متلما بتعرف يا عمي أبو محمد، بيجر بعضه البعض. صديقنا "أبو مروان"، بعدما طلع من سورية هرباً من الطيران الروسي، وقذائف حزب الله، وبراميل ابن حافظ الأسد، ما صار لاجئ في المخيمات متل أكترية الهاربين، لأنو الظروف لعبتْ لمصلحتو وخلته يجي عَ إسطنبول. ومتلما بتعرف بالنسبة إلنا كانتْ زيارة إسطنبول في الماضي حلمْ بعيدْ المنالْ. في سنة 2009 كان واحد من أصدقائي عم ينظم رحلة سياحية إلى إسطنبول بمبلغ صغير، فاعتذرت له عن المشاركة، وقلت له أنا معي مصاري فائضة عن اللزوم، ولكن أنا اللي مضيت 15 سنة في سجن تدمر شايف العيشة في ضيعتنا الزغيرة أحلى من العالم كلو، بقى ليش بدي روحْ عَ إسطنبول؟ وللمفارقة أنا عايش في إسطنبول بشكل متواصل من سبع سنين، ولا تستبعد أنو يمتد عمر نظام الإجرام تبع بيت الأسد وأنا موت وإندفن في إسطنبول.

المهم، خلاصة الكلام أنو صديقنا أبو مروان بعد ما عاش في إسطنبول كم سنة (تَحَضَّرْ) وصار "يْتْدَوَّشْ" مرة أو مرتين في اليوم. ومن هادا الحديث انتقلنا للحديث عن حمام السوق أيام زمان. ولأن الموجودين هون كلياتهم رْجَالْ كان الشي الطبيعي أنو نحكي عن الشيء اللي بينقصنا، فأتينا على سيرة حمام النسوان! وأخونا أبو سليم غنى لنا: ع الهوني يا سمرا هوني على حَمَّامِكْ عزموني. التي بيغنوها للعروس في القسم الخارجي من الحمام.

ضحك أبو الجود وقال: أنا كمان تحضرتْ وصرتْ أتدوش كل يوم، مع العلمْ أنو أختكم أم الجود، لما بتخانق معها بتعيرني بقلة الاستحمام وبتقلي: "أبو نْشْحْ".

ضحك الحاضرون، وقال أبو سليم: ممكن تعطوني فرصة قول فكرة؟
قال كمال: طبعاً.. تفضل.

قال: أنا لما كنت عايش في سورية كانت عندي عادة غريبة، وهي أني كلما جيت عالبيت وقعدت، بحس أنو عرق جسمي صار يبرد، وإنو صرت بحاجة للاستحمام. بهاي الحالة باخد علبة الكبريت وبدخل ع الحمام، بشعلها، وبقعد بستناها لحتى تسخن. وكانت تصير معي أفلام غريبة، مرة بتتأخر المي لتسخن، وأنا بيغلبني النوم، وبتجي زوجتي تفيقني، وأنا بنزعج وبصرّخ فيها، وبهالحالة بتطفي الحمام وبتروح هيي ع النوم، ومرة بكون قاعد عم انتظر المي حتى تسخن، بيتصلوا رفقاتي ومنطلع ع السهرة، وبرجع بوقت متأخر وبتكاسل عن الاستحمام، ومرة المدخنة تبع الحمام بتنسد وبتصير تضخ دخان وشحار، بروح أنا بطفيها وبطلع من البيت لأني بكره ريحة الاحتراق الناقص.. وبالأخير أشو بيصير؟


سألناه: أيش بيصير؟
قال: اللي بيشوفني كل يوم عم شعل الحمام حتى أستحم بيظن أنو أنا رجل نضايفي، ولكن اللي بيعرف أني ما بستحم إلا كل عشرين يوم راح يخليني كون نسخة طبق الأصل عن أخي أبو الجود.
وسأله: أيش كانت أختنا أم الجود تنادي لك؟
قال أبو الجود: أبو نشح.
قال كمال: وأنا متلك تماماً.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...