هل تفطر القبلة السينمائية الممثلين والممثلات؟

هل تفطر القبلة السينمائية الممثلين والممثلات؟

26 مايو 2019
+ الخط -
في إطار حملة كان قد بدأها ضباط "العهد الجديد" لمهاجمة السينما التجارية المثيرة للغرائز والتي لا تتفق مع أهداف ثورة يوليو المجيدة، نشرت مجلة (الكواكب) في عددها رقم 144 الصادر بتاريخ 4 مايو 1954، وبمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، كلمة قصيرة في باب (كلمة الأسبوع) الذي كان بمثابة افتتاحية للمجلة، تعبر عن رأي هيئة تحريرها في القضايا والأحداث الفنية الجارية، بدأته بقولها: "إننا نشعر نحن رجال الدين أن بيننا وبين أهل الفن في مصر فجوة واسعة، ولن تسد هذه الفجوة إلا عندما يصبح رجل الدين فنانا، ويصبح الفنان رجل دين"، مستثنية من حديثها بعض الفنانين الذين يمثلون قدوة حسنة، لأنهم "يصومون رمضان". وذكرت من بين هؤلاء بالتحديد كلاً من "سليمان نجيب ويحيى شاهين وحسين رياض والأخير يقضي أغلب أوقات النهار متنقلا بين المساجد، أما الأستاذ عباس فارس فهو يقضي شهر رمضان مع أتباع طريقته الصوفية وكثيرا ما نلتقي به في أحد المساجد المنزوية يخطب في الناس ويستحثهم على التدين والعمل بتعاليم الدين والابتعاد عن الفحشاء والمنكر، وأنور وجدي من أحرص الفنانين على صوم رمضان وتراه في خلال هذا الشهر قد تحول إلى واعظ يعظ زملاءه المقصرين ويحثهم على الصوم ويحذرهم من عذاب الآخرة". 

ربما كان هناك من هيئة تحرير المجلة من شعر أن النبرة الوعظية في الكلمة الافتتاحية عالية، فقرر تخفيفها بعمل موضوع داخل نفس العدد بعنوان (رمضان في البلاتوه)، بدأه بمقدمة تقول: "ماذا يحدث للفنانين في شهر رمضان؟ إن لرمضان أحكامه، وللجوع سلطانه، وقد تتوقف الكاميرا طويلا قبل أن تجيئ الفتوى، تحلل القبلة "التمثيلية"، وقد تثور الأعصاب بسبب الإرهاق، وأهل الفن ـ وهم في هذا أبطال ـ يتحملون ويصبرون". 

أطرف ما جاء في الموضوع كان يخص فتوى إباحة القبلة للصائم، طلبها من المشايخ حسين صدقي المشهور بتدينه حتى قبل أن يقرر بعدها بسنوات اعتزال السينما، ويعلن رغبته في التخلص من نيجاتيف أفلامه، قالت المجلة إن حسين صدقي كان قد طلب الفتوى في عام 1949 خلال تصويره لفيلم (المصري أفندي) الذي كان يقوم ببطولته أمام مديحة يسري، والذي كان من الأفلام المبكرة التي تسبق عرض أحداث الفيلم بعرض آية قرآنية كاملة على الشاشة، كانت في حالة هذا الفيلم قوله تعالى "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون".  

كان المخرج الكبير عاطف سالم يعمل وقتها مساعداً أول لحسين صدقي الذي كان مخرج الفيلم وبطله ومنتجه ومشاركاً في كتابته أيضاً، وطبقاً لما يرويه عاطف للكواكب "فقد كان حسين صدقي يقود فريق الصائمين في نشاط وحماس، إلى أن وصلنا إلى منظر قبلة، فرأيت الأستاذ حسين يقول: مش ممكن، ووجدها العمال فرصة للراحة فوافقوه، ولكن الفنانين طلبوا أن ننتهي من العمل لأنه في أيام رمضان يرهقهم أضعاف ما يرهقهم في الأيام العادية، وحاولت إقناع الأستاذ حسين صدقي بأن القبلة ليست حراماً، ولكنه لم يقتنع، وهنا أرسلنا خطاباً مع أحد الموظفين إلى جهة مختصة بالإفتاء، ورحنا ننتظر وصول الرد ونحن جلوس في البلاتوه، وغاب الموظف طويلاً وأخيراً جاء يحمل الفتوى التي تقول إن القبلة التمثيلية ليست حراماً، وهنا وهنا فقط اقتنع الأستاذ صدقي وسجلنا المشهد". 

لم يسأل محرر (الكواكب) عاطف سالم عن جهة الإفتاء التي أباحت له قبلة الممثل الصائم، وما إذا كانت جهة حقيقية بالفعل، أم أن بعض العاملين بالفيلم قاموا بفبركتها لكي لا يتوقف التصوير وينقطع أكل عيشهم، لكن أغلب الظن أنها لم تكن جهة رسمية حقيقية، وإلا لكانت ساهمت في حل مشكلة مشابهة وقعت في نفس العام للمخرج صلاح أبو سيف مع النجم كمال الشناوي خلال تصوير فيلم (شارع البهلوان)، والذي تصادف تصويره أيضاً في شهر رمضان، الذي كان وقتها في عز الصيف، وكان صلاح على وشك الانتهاء من الفيلم، لكنه صادف إشكالاً حين طلب من كمال الشناوي أن يقبل كاميليا كما يقتضي دوره، لكن كمال رفض قائلاً: "أنا صايم، مش ممكن أبوسها". 

يقول صلاح أبو سيف للكواكب "رحت أحاول إقناع كمال بأن قبلة التمثيل ليست حراما، لإنها والله أعلم أداء عمل يتكسب منه، ورحت أستعرض له المتاعب التي سيسببها لنا تعطيل يوم كامل، واستحالة رجوع العمال بعد الإفطار لأنهم يتخمون بالطعام، ولأن من الظلم أن نجبرهم على العمل طيلة اليوم، وفي هذه الأثناء خرجت كاميليا من غرفة الماكياج وعرفت من أحد العمال أن كمال يرفض أن يقبلها، ولم يقل لها العامل أن رفضه سببه صيامه، فثارت بدورها، وعندما اقتنع كمال بوجهة نظري قلت لكاميليا: يالله حانبتدي، فقالت: نبتدي إزاي أنا كمان مش هاخليه يبوسني، هو بيقول لأ ليه، هو يطول. قلت لها: يا كاميليا هو صايم وعشان كده مش عاوز يبوسك وأنا أقنعته والحكاية انتهت. قالت: لأ ما انتهتش، أنا عندي كرامة ومش هاخليه يبوسني. وكان العمال من الصائمين ينظرون إلى كمال وكاميليا شزرا وكأنهم يريدون الفتك بهما لأنهما سبب المتاعب، وسجلنا المشهد بعد كل هذا، وكانت القبلة من أحسن القبلات التي أخرجتها على الشاشة، كانت عنيفة وقوية، حتى أنه عندما عرض الفيلم على الرقيب بوزارة الداخلية مد يده إلى مقصه وحذفها من الفيلم".

وكما تعرف، بعدها بعقود، تم حل المشكلة من المنبع، فلم تعد هناك قبلات سينمائية أصلاً، لا في رمضان ولا في غيره. 

...

أطلقوا لحاهم من أجل الملك! 

في مطلع يناير 1946،

قام ملك السعودية عبد العزيز آل سعود بزيارة رسمية لمصر حظيت باهتمام خاص في تغطيتها من الصحف والمجلات المصرية، وهذا بعض ما نشرته مجلة (الإثنين والدنيا) في عددها الصادر بتاريخ 7 يناير 1946 قبل الزيارة مباشرة: 

ـ سيكون في معية جلالة الملك عبد العزيز عند زيارته مصر نحو 150 شخصاً بينهم 14 أو 15 أميراً من أبناء جلالته، وسوف لا يكون بينهم ولي العهد الأمير سعود لأنه باق في الرياض، ولا الأمير منصور لأنه باق في الحجاز، وفي مقدمة الحاضرين سمو الأمير عبد الله أخو الملك وهو عالم ديني كبير. 

ـ سيحمل جلالة الملك أل سعود معه كمية من التمور لتوزيعها على الفقراء في الجهات التي سيزورها. تقرر ألا يزور جلالة الملك آل سعود من المساجد غير الأزهر، حيث أن المساجد الكبيرة تضم أضرحة لا تتفق والمذهب الوهابي. تبحث إدارة الفرقة المصرية في اختيار مسرحية تصلح لعرضها أمام الملك عبد العزيز على أن يكون جميع ممثلي المسرحية من الرجال تمشياً مع التقاليد العربية التي تحضر ظهور المرأة على المسرح أو في حفلة عامة. 

ـ أعدت سبع غرف للنوم في الطابق العلوي من قصر الزعفران حيث ينزل فيه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود أثناء زيارته الكريمة لمصر، وقد ألحق بكل غرفة حمام فخم. ولمناسبة زيارة جلالة الملك أقيم بحديقة قصر الزعفران سرادق كبير احتاج إلى ألف وخمسمائة متر مربع من المشمع لتغطيته ووقايته من الأمطار والتقلبات الجوية. 

ـ أطلق جميع الطلبة بالجامعة الحجازية لحاهم وشاركهم في ذلك بعض طلبة البلاد الشقيقة تحية لمقدم جلالة الملك آل سعود. تكلفت كل بوابة من البوابات (أقواس النصر) التي أقيمت في طريق جلالة الملك عبد العزيز حوالي 1500 جنيه". 

وفي ركن بارز من صفحاتها، قررت المجلة أن تطلق لحيتها هي أيضاً ولكن على طريقتها الخاصة، حيث نشرت إعلاناً يبشر قراءها بالتالي: "هذا ويسر مجلة الإثنين أن تساهم بأوفر قسط في الترحيب بعاهل الحجاز الكريم، وذلك بإصدار عدد ممتاز خاص بعنوان (عدد الملوك) يحوي بين دفتيه طائفة من المعلومات الطريفة والموضوعات الطليّة عن ملوك الشرق والغرب".   

...

مبارك بالسواحيلي! 

في صفحة الإذاعة والتلفزيون بعدد صحيفة (أخبار اليوم) الصادر بتاريخ 8 فبراير/شباط 1986، نشر هذا الخبر: "بعث عدد من مستمعي البرنامج الموجه باللغة السواحيلية في إذاعة القاهرة إلى شرق أفريقيا، بقصائد شعرية باللغة السواحيلية من تأليفهم تتضمن تأييدا للرئيس محمد حسني مبارك لدوره الفعال في خدمة القضايا الأفريقية وتذاع هذه القصائد ضمن برنامج نادي الأصدقاء الذي يذاع أسبوعيا ويعده ويقدمه محمد منصور". 

نداء من (فيتامينات للذاكرة) إلى المذيع محمد منصور أينما كنت، أين ذهبت هذه القصائد السواحيلية، ومتى سنسمع قصائد سواحيلية في مديح السيسي، لكي لا يقطع الله لإذاعتنا وبلادنا عادة. 

...

وختاماً مع الكاريكاتير: 

بمناسبة موجات الحر السابقة والتالية، تذكرت هذا الكاريكاتير الذي نشره الفنان صلاح جاهين في صحيفة (الأهرام) في يونيو 1966:  

وبمناسبة شهر رمضان أذكرك بهذا الكاريكاتير الذي نشره الفنان بهجت عثمان في مجلة (المصور) في ديسمبر عام 1965: 

وأتذكر معك أيضاً هذين الكاريكاتيرين الذين نشرهما الفنان حجازي في مجلة (صباح الخير) في مطلع السبعينات:  



605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.