الحياة في ظل إنترنت الأشياء

الحياة في ظل إنترنت الأشياء

11 مايو 2019
+ الخط -
منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، باتت المساحة التي تشغلها شبكة الإنترنت تتسع بشكلٍ سريع الوتيرة، بالتزامن مع استمرارها في التطوّر من دون توقف، لتتحوّل إلى رفيق دائم عند الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون التخلي عنها؛ لارتباطها بصلةٍ وثيقة مع نشاطاتهم اليومية، مثل متابعة الأخبار، وقراءة الصحف، ومشاهدة الحلقات التلفزيونية للبرامج والمسلسلات، والتعلّم الرقمي الذاتي؛ لذلك من الممكن القول إن الإنترنت شاركت في بناء الفكر البشري المعاصر، وزوّدته بمكوّنات متنوّعة ذات آثار إيجابية وأخرى سلبية، والتي دفعت وساندت بدورها سيطرة الإنترنت على حياة النّاس. 

لم يعد مفهوم "الإنترنت" مقتصرًا فقط على فكرة وجود شبكة تربط بين أجهزة حاسوب وخوادم تحتوي على كمٍ هائل من البيانات الرقمية، بل صار هذا المفهوم أكثر اتساعًا وشمولية وحداثة؛ نتيجة للتطوّرات التقنية المتسارعة، والمنعكسة بوضوح على الإنترنت التي تجاوزت دورها كوسيلة للاتصالات ونقل المعلومات، لتمتلك قدرات تُعزز من سيطرتها على البشرية، فأصبحت قادرةً على التحكّم بالأجهزة الإلكترونية دون الحاجة لوجود متحكّم مباشر فيها؛ أي الإنسان، لتُنفّذ عددًا من المهام التي كانت محصورةً بالبشر، مثل تشغيل السيارة في موعدٍ محدّد ومبرمج مسبقًا، وقياس معدّل حرق السعرات الحرارية المستهلكة أثناء ممارسة الرياضة، وتجسيد الواقع وأبعاده بواسطة تقنيات محاكاة فائقة التطوّر، وجميع هذه المهام وغيرها الكثير تنحصر ضمن مفهوم جديد ومستحدث يُسمّى "إنترنت الأشياء"، وهو توظيف الإنترنت توظيفًا كاملًا في التكنولوجيا وأجهزتها، عن طريق امتلاكها لجميع الإمكانات والمهارات التي تجعلها قادرةً على التحكّم بحياة النَّاس، والسيطرة على نشاطاتهم اليومية.

بات من الواضح أن الحياة تتجهُ تدريجيًا نحو "إنترنت الأشياء"، فلم يتوقع أي شخص قبل عام 2000 مع بداية انتشار الهواتف المحمولة أن في عام 2010؛ أي بعد عقد كامل تقريبًا، سوف يستخدم هاتفًا محمولًا يحتوي مجموعة من الخصائص والمميّزات التي توفّر تحكّمًا كاملًا في الكثير من المهام، مثل تنظيم المواعيد اليومية، وكتابة وتحرير المستندات، وإرسال واستقبال الرسائل عبر البريد الإلكتروني، ثم في عام 2015 بعد خمس سنوات، ازدادت سيطرت الإنترنت مع تمكّن تطبيقات التواصل الاجتماعي من الاستحواذ على حياة النّاس، وتحوّل الهاتف المحمول من جهاز اتصال صغير إلى جهاز ذكي يمتلك المهارات التي تجعله روبوتًا ناطقًا، وأيضًا سيشهد العالم خلال الأعوام القليلة القادمة اختراع أجهزة منزلية فائقة الذكاء، فمثلًا سوف تمتلك المكنسة الكهربائية المبتكرة مميّزات تحديد نوعية السجاد أو القماش أو السطوح الذي ستنظفها، وطريقة تنظيفها ذاتيًا بناءً على معلومات مخزنة فيها، ويعزى ذلك إلى قدرة إنترنت الأشياء ودورها في اختصار الوقت وتقليل الجهد.

إن الأمثلة المذكورة في الفقرة السابقة أصبح أغلبها جزءًا من الواقع، مع أنها لم تنتشر في العالم بأسره، ولكن في طريقها لتصبح في متناول أيدي جميع النّاس؛ حيث صار من السهل الحصول عليها، سواء من خلال المتاجر الإلكترونية أو مزودي خدمة الإنترنت أو شركات بيع الهواتف الذكية، فقد اهتمت هذه الأخيرة بتوفير أنواع مختلفة من الهواتف التي تستقطب جميع النّاس؛ بهدف تشجيعهم على قبول التطوّرات القادمة من منصة إنترنت الأشياء، والتي تميّزت بتكيفها مع حاجاتهم ورغباتهم غير المنتهية.

بعد إدراك طبيعة الحياة في ظلِّ إنترنت الأشياء، بات من الضروري معرفة الجانب الآخر لها؛ وهو مدى خطورتها على الإنسان، إذا لم يستعد لاستخدامها أو فهم إمكانياتها غير المحدودة، والتي ستفقده أي فائدة تُحقق منها، كما ستعرضه للكثير من المخاطر غير المتوقعة، وقد تجعله يفقد الاتصال مع الزمان والمكان، وأكثر ميولًا للكسل والخمول بدلًا من النشاط والسعي لتنفيذ المهام فرديًا دون أي تدخلات من إنترنت الأشياء.

لا يمكن إغفال الفوائد الجمّة لإنترنت الأشياء وتطبيقاتها وأدواتها، ودورها في الارتقاء بالحياة، ولكن تكون الاستفادة منها عند استخدامها بطريقة صحيحة، وضمن المجالات المناسبة التي تشارك في ازدهار المجتمعات؛ من خلال الاستعداد الجيد والجاهزية الكاملة لعصر إنترنت الأشياء، والذي يساعد الإنسان على تجاوز التعقيدات الرقمية غير المتوقعة، ويجعل الإنترنت في المستقبل القريب وسيطًا فعّالًا بين البشرية والآلات الذكية.