مأساة أميركية وجريمة صينية ومقابر مكسيكية وتفاصيل أخرى

مأساة أميركية وجريمة صينية ومقابر مكسيكية وتفاصيل أخرى

06 مارس 2019
+ الخط -
ويليام جالاجهر مواطن أميركي يبلغ من العمر 68 عاماً، كان من المقاتلين في حرب فيتنام التي دمرت حياة الكثيرين من أمثاله، وقادته إلى السجن مرات متعددة بعد ارتكابه لعدد من الجرائم، وحين تم إطلاق سراحه من أحد سجون ولاية نيوجرسي، لم يتوقع أحد أنه سيعود إلى السجن سريعاً ولكن في ولاية أخرى هي ولاية ويسكونسن، حيث قام بمحاولة السطو على أحد بنوك مدينة ميلوواكي بشكل شديد الفجاجة جعل الكثيرين ممن شهدوا واقعة السطو على البنك يصفونه بالغباء، من دون أن يتوقعوا أنه لم يكن يهدف أصلاً إلى النجاح في السطو على البنك بل كان يرغب في أن يتم القبض عليه، لكي يتم نقله إلى أحد سجون ولاية ويسكونسن، بعد أن سمع من بعض نزلاء سجنه السابق في نيوجرسي، أن ولاية ويسكونسن تقدم رعاية صحية متميزة ومجانية لنزلاء السجون فيها.

لم يكن ويليام جالاجهر سيحصل على تلك الرعاية الصحية، لو عاش حياته خارج السجن كملايين المواطنين الأميركيين الذين يعتبرون الحصول على تأمين صحي حلماً بعيد المنال.

وفي حين اعتبر المدعي العام الذي ينظر قضية جالاجهر أن فعلته الغريبة تعتبر "تعليقاً حزيناً على حال الرعاية الصحية في أميركا"، يتواصل اشتعال الجدل حول تفاصيل خطة الرعاية الصحية للجميع التي بدأ عدد من قادة الحزب الديمقراطي في الاستعداد لتبنيها داخل الكونجرس الأمريكي، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب متاجرته بالمشاعر الوطنية الكارهة للمهاجرين، والتي يسانده فيها ملايين المواطنين الأميركيين من متوسطي ومحدودي الدخل الذين أوصلوه إلى الرئاسة، والذين لا زالوا يصبون نيران غضبهم على المهاجرين، بدلاً من أن يوجهوها نحو من يتسببون في حرمانهم من أبسط حقوقهم التي يجب أن يحظوا بها، في بلد يتصورون أن الكراهية ستجعله "عظيماً من جديد".

ـ بعيداً عن الضجيج المتصاعد حول الإنجازات الاقتصادية والعلمية للصين، يواصل النظام الصيني نشاطه المحموم لإسكات أصوات المعارضين له في الخارج، وهو نشاط لم يعد يقتصر على استهداف الصينيين المقيمين في الخارج، فقد استهدف مؤخراً باحثة نيوزيلندية متخصصة في الشئون الصينية، هي آن ماري برادي أستاذة العلوم السياسية بجامعة كانتربري والتي قدمت إسهامات بحثية عديدة عن محاولات الصين لفرض نفوذها السياسي في أستراليا ونيوزيلندا خلال السنوات الماضية، وكانت وراء كشف الاختراق الصيني لقارة أنتاركتيكا، حيث بنى الجيش الصيني ثلاثة قواعد عسكرية على أراضٍ تابعة لأستراليا، كما قامت بدراسة الأساليب التي تستخدمها الحكومة الصينية لاستخدام بعض الصينيين المقيمين في نيوزيلندا وأستراليا لدعم نفوذها السياسي، من هؤلاء مثلاً عضو مجلس تشريعي نيوزيلندي من مواليد الصين، تمكنت برادي بعد تدقيقها في تاريخه المهني ونشاطه السياسي، من الحصول على معلومات تفيد أنه كان يتعاون مع المخابرات الحربية الصينية منذ 15 عاماً وأنه تلقى تدريبات على عمله في الصين، وهو ما لم يعجب الحكومة الصينية بالطبع، وللك قامت بالضغط على الجامعة التي تعمل فيها برادي لوقف أبحاثها.

حين رفضت الجامعة التجاوب مع تلك الضغوط، بدأ النظام الصيني في شن حملة تشويه منظمة ضد الباحثة في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تطور الأمر إلى استخدام وسائل إجرامية للتحرش بالباحثة البالغة من العمر 52 عاماً، حيث تعرض منزلها ومكتبها للاقتحام بشكل غامض قبل أشهر، ولم يتم سرقة أموال أو مجوهرات من المكانين، بل تم سرقة أجهزة الكمبيوتر والتليفون المحمول وحافظات الذاكرة الخاصة بها، والتي كانت تحوي مواداً وصوراً جمعتها خلال رحلة قامت بها إلى الصين منذ فترة، قبل أن يثير نشاطها البحثي غضب النظام الصيني، وحين قامت برادي بإبلاغ المسئولين النيوزيلنديين عن ما حدث، وطلبت حماية منزلها ومكتبها وأسرتها، لم يتدخل أحد من المسئولين لتلبية طلبها طبقاً لما نشرته صحيفة (سيدني مورنينج هيرالد) الأسترالية.

ما جرى لبرادي أثار غضب وقلق العديد من الباحثين في الشئون الصينية حول العالم، والذين وقعوا على بيان تضامني مع برادي مطالبين بحمايتها، ومتحدثين عن الضغوط التي تقوم السلطات الصينية بممارستها على الباحثين الذين لا تعجب السلطات الصينية بنتائج عملهم، وبرغم سعادة برادي ببيان التضامن الدولي، إلا أنها أشارت إلى أن الأنشطة التي تقوم بها المخابرات العسكرية الصينية في كل من نيوزلندا وأستراليا تتواصل دون أن تتم مواجهتها بشكل جاد من الحكومتين، وبالطبع يتضاعف تعقيد الأمر حين يتم استخدام وقائع مثل هذه لإشعال نار الكراهية العنصرية التي تتعامل مع كل مهاجر بوصفه عميلاً أو جاسوساً لبلده الأصلي، حتى لو كان من أبناء الجيل الثاني أو الثالث، وهو ما قد يدفع ثمنه الكثير من الأبرياء الذين لن يكترث النظام الصيني بشأنهم إذا رفضوا التعاون معه، ولن يثق فيهم العنصريون الراغبون في استهدافهم بحملات الكراهية مهما أقسموا أنهم لا يرغبون في أكثر من العيش بسلام وأمان.

ـ أعلنت الحكومة المكسيكية مؤخراً عن إنشاء معهد جديد للطب الشرعي مزود بأحدث التقنيات، يتم تخصيص جهوده لمحاولة التعرف على جثامين وبقايا أكثر من 40 ألف مواطن مكسيكي فقدوا خلال عقد كامل من الحرب بين عصابات المخدرات وبعضها، وبين عصابات المخدرات والأجهزة الأمنية، والتي جعلت المكسيك تتحول إلى "مقبرة ضخمة غير معلنة" طبقاً لتصريح أليخاندرو إينشيناس نائب وزير حقوق الإنسان في الحكومة المكسيكية الجديدة، والذي تحدث عن وجود حوالي ألف ومائة أكثر من موقع في أنحاء المكسيك، تم استخدامها كمقابر جماعية لدفن مئات الجثث، أغلب أصحابها من الشباب، وبعضهم من المهاجرين من وسط أمريكا قتلتهم عصابات المخدرات، حيث ستخصص الحكومة مبلغاً قدره عشرون مليون دولار أمريكي لإطلاق مشروع يسعى لنبش هذه المواقع المكتظة بالجثث، ومحاولة التعرف على الضحايا عبر أحماضهم النووية، ليعرف أهاليهم مصيرهم بعد سنوات من العذاب الذي تعهدت حكومات سابقة بإنهائه دون جدوى.

ـ بعد كل ما تم كشفه عن اختراق المخابرات الروسية للفيس بوك، ومساعدة ذلك الاختراق على نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أصدرت إدارة موقع (فيس بوك) مؤخراً قائمة ببعض الحسابات والصفحات المريبة التي لوحظ أنها تقوم بنشاط مكثف ومنسق مع بعضها البعض بشكل مثير للشبهات، لا يتسق مع كونها حسابات وصفحات أنشأها أفراد، وأظنك ستجد قراءة أسماء بعض هذه الصفحات ملفتاً للانتباه، ومذكراً بالكثير من الصفحات المشمومة التي تدعمها الأجهزة الأمنية في بلادنا المنكوبة:

الأمة في أزمة ـ أخبار بديلة ـ ضد وسائل الإعلام ـ كشف الحقيقة ـ تعلموا الحقيقة ـ مشروع الفكر الحر ـ الحقيقة (عنوان الصفحة باللغة الأسبانية) ـ المنطقة 51 (إشارة إلى أكثر القواعد الجوية الأمريكية انعزالاً وسرية والموجودة في صحراء ولاية نيفادا) ـ تحقق من صحة هذه الأشياء ـ نيكولا تسلا (على اسم المخترع الأمريكي الشهير) ـ أخبار مثيرة للاهتمام ـ وجهات نظر أعمق ـ الوعي الجمعي ـ أخبار واعية عن الحياة ـ كلنا واحد على هذه الأرض ـ الصحوة ـ مستكشفو الكون ـ البدائل الصحة الكون ـ العلاج الطبيعي ليس طباً ـ سأكون عضوياً بنسبة مائة بالمائة ـ إعادة توازن يتركز حول القلب ـ الحب الصحة السعادة ـ صفحة الحب والقلب ـ الحب الإلهي الغامض ـ زهرة الحياة ـ نحن نحب الحيوانات ـ صفحة تحمل عنوان Wake The Fuck Up والتي يمكن ترجمتها طبقاً لمدرسة أنيس عبيد بعبارة: استيقظ عليك اللعنة.

في الوقت نفسه وبرغم الحملات الإعلامية الشرسة التي تم شنها في جميع أنحاء العالم على الفيس بوك ودوره في نشر الأخبار الكاذبة، والتي كان يتوقع أن تؤثر على الصورة العامة للموقع، حقق الموقع خلال الشهر الماضي زيادة في صافي أرباحه بلغت 6.9 بليون دولار، بزيادة قدرها 61 في المائة عن نفس الفترة في العام الماضي، بشكل خالف كافة توقعات الكثير من الخبراء الذين أكدوا أن انتشار الموقع سيتأثر بفعل الحملات الإعلامية التي فضحت دور الفيس بوك في التأثير على نتائج الانتخابات خلال الأعوام الماضية، وأكدت على تأثيره الفعال في نشر الأخبار الكاذبة وحملات الكراهية، لكن ما حدث في الواقع أن أعداد المستخدمين للموقع تزايدت لتصل إلى 1.52 بليون شخص يستخدمون الموقع بشكل يومي، بزيادة قدرها تسعة في المائة عن عدد مستخدميه في العام الماضي، لكن مستخدمي الفيس بوك في أمريكا وكندا، وهما الدولتان اللتان تعرض فيهما للنصيب الأكبر من الهجوم، وعددهم 242 مليون مستخدم، يظلون الأكثر أهمية وقيمة لدى مالكي الفيس بوك، لأن حصة الفيس بوك من إيرادات الإعلانات التي تستهدفهم في الدولتين تصل إلى أكثر من 200 بليون دولار، وهو رقم أضخم بكثير مما يجنيه من الملايين الذين يستخدمونه حول العالم.

ـ أحدث حل صادفته لمشكلة التدخين في العالم، يأتي من هاواي التي يدعم أحد أعضاء مجلسها التشريعي مشروع قانون يهدف إلى حظر التدخين على كل من لا يتخطى سنه المائة عام، ولأن صاحب المشروع العجيب الطبيب ريتشارد كريجان يدرك صعوبة تنفيذ مشروعه بشكل فوري، فقد صممه بطريقة تدريجية، بحيث يتم رفع السن المؤهلة لحق التدخين عقداً كاملاً كل عام، فيتم حظر التدخين على من تقل أعمارهم عن 28 عاماً هذا العام، ثم يتم حظره على من تقل أعمارهم عن 38 عاماً في العام التالي، وهكذا حتى يصبح التدخين حقاً مكتسباً لمن تتجاوز أعمارهم المائة عام فقط، ليتوقف ما يصفه كريجان بأنه "تواطؤ على قتل البشر بالسماح لهم بالتدخين"، وهو تواطؤ يتعهد كريجان بأنه لن يتسامح معه طالما بقي في مقعده النيابي، متمنياً أن يجد مشروعه الثوري صدى لدى زملائه من أعضاء المجالس النيابية حول العالم، والذين يتوسم فيهم أنهم لن يقلوا عنه رغبة في إيقاف السماح للبشر بقتل أنفسهم بالتدخين. أتمنى لسيادة النائب أن يحقق حلمه الرائع قبل أن يبلغ المائة عام.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.