التنمّر المدرسي أسبابه وحلوله

التنمّر المدرسي أسبابه وحلوله

18 مارس 2019
+ الخط -
يتلقى الطلاب في المدرسة المعارف الأدبية والعلمية التي تطوّر مهاراتهم السلوكية والذهنية، فيصبحون أكثر قابلية للتعلّم وتحمّل المسؤولية، ويصيرون أكثر قدرة على إثبات وجودهم بالمشاركة المستمرة في الدرس أو الانضمام إلى النشاطات اللامنهجية، التي تساهم في إثراء مداركهم وأفكارهم، وتوجيههم نحو الاستفادة من المكتسبات التي يحصلون عليها، كما يشارك ذلك في تنمية شخصياتهم وجعلهم يتأقلمون مع الظروف والمواقف المختلفة التي تواجههم، سواء في المدرسة أو المنزل أو أي مكان آخر.

تختلف الطرق التي يلجأ إليها الطلاب في إثبات وجودهم في المدرسة أو الصف، فقد يعتمدون على المشاركة المستمرة مع المعلم أثناء الحصّة الدراسية أو تحضير الدروس وحلّ الوظائف المطلوبة منهم، ولكن هناك فئة من الطلاب تثبت وجودها من خلال ممارسة تصرفات غير تربوية، كشتم وضرب زملائهم أو إطلاق الألقاب والمسميات عليهم، التي تعتبر من الظواهر السلبية والضارّة بالبيئة التعليمية، وللأسف تنتشر هذه الظاهرة في الكثير من المدارس، ويطلق عليها اسم "التنمّر المدرسي"، وتعرّف بأنها جميع السلوكات والممارسات التي تتصف بالإساءة الجسدية و/ أو النفسية المكررة بحق طالب أو أكثر، ويستخدم فيها المعتدي القوّة لتفريغ طاقته العدوانية تجاه المعتدى عليه. وغالبًا لا يكون المتنمّر طالبًا واحدًا بل قد يترأس عصابة من المتنمّرين، لفرض السيطرة والهيمنة على الطلاب الآخرين.


لم تولد ظاهرة التنمّر المدرسي بالصدفة، بل جاءت نتيجة أسباب عائلية ونفسية ذات تأثير في شخصية الطالب المتنمّر، فتشمل الأسباب العائلية جميع المؤثرات والظروف التي يتعايش معها المتنمّر داخل منزله وضمن أفراد أسرته، فقد يعاني من اضطهاد وتحجيم وتقليل من شأنه، فمثلًا قد يتجاهل الأب رأي ابنه في أي مسألة بسيطة، ليشعر بأن كلامه لا أهمية له، وقد تستخدم الأم الضرب المبرح عند ارتكاب الابن للأخطاء، ما يجعله يكتم غضبه في نفسه، ليفرغ طاقته السلبية أثناء وجوده مع زملائه في المدرسة، فيختار منهم الذين لا يمتلكون القوّة أو الجرأة لمواجهته، ثم يضربهم أو يشتمهم أو يأخذ منهم مصروفهم أو طعامهم عنوةً؛ بغرض ردّ الاعتبار لنفسه، وكسب احترام الآخرين له بتخويفهم منه.

تعتبر الأسباب النفسية للتنمّر هي الحلقة الثانية بعد الأسباب العائلية، وتظهر هذه الأسباب في عدم استقرار الطالب نفسيًا، الذي يعدّ مؤثرًا خطيرًا جدًا، وقد يتجاهله الأهل عن قصد أو لعدم ظهور علاماته بوضوحٍ على الطالب، وعادةً ترافق ذلك مجموعة من العوارض النفسية، كالقلق والخوف الشديد من شيءٍ ما، أو الشعور بالحزن لعدم النجاح في الدراسة، أو أن تواجه الطالب صعوبات في التميز مثل باقي أقرانه في الصف، فيدفعه ذلك للتنمّر على بعضٍ منهم؛ ليتحدى قلقه وخوفه أو لإرغامهم على مساعدته في التفوق دراسيًا، مقابل تجنّبهم لشرّه وتوفيره الحماية لهم من الطلاب الآخرين.

يستنتج ممّا سبق أن الأسباب العائلية للتنمّر المدرسي تكمل الأسباب النفسية، وترتبط معها برابطٍ قويّ، فلولا معاناة الطالب من تهميش وتحجيم في المنزل، واختلاطه مع أشخاص يتنمّرون عليه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، لما وصل إلى ممارسة التنمّر على غيره؛ بهدف المحافظة على شخصيته ووجوده وكيانه المستقل، وفرض قوّته وسلطته، وتأكيد احترامه وتقديره لنفسه، وليكون ذلك أيضًا تعويضًا لفقدانه هذه المميزات أو الخصائص في المنزل أو أثناء تعامله مع الأكبر منه عُمرًا، ليتحوّل الطالب إلى شخصٍ عدواني يبحث عن تحقيق ذاته بالاعتداء على غيره لفظيًا أو جسديًا أو كليهما.

إن القضاء على ظاهرة التنمّر المدرسي لن يكون في يومٍ وليلة، بل يحتاج إلى إيجاد حلول تساهم في التغلب عليها، وترتكز على تحليل طبيعة العامل أو السبب الذي دفع المتنمّر لممارسة التنمّر على زملائه، وتبدأ الحلول المقترحة لعلاج هذه الظاهرة من تفعيل دور التربية الأسرية الصحّية، وهي استخدام الوسائل التوجيهية السليمة التي تشمل التواصل الإيجابي، واحترام الرأي، والابتعاد عن العنف أثناء تعامل الأهل مع الطالب؛ ما يؤدي إلى أن يمتلك شخصية سويّة وغير عنيفة، كما يدعم ثقته بنفسه أمام الآخرين.

ويعتبر تشجيع الطالب على تأسيس صداقات مع زملائه لكسب ودّهم واحترامهم، وتعزيز التواصل الإيجابي بينهم من الحلول المفيدة والناجحة في تعديل سلوك المتنمّر، ومهما كان الحلّ المتبع في التعامل مع التنمّر يظلّ من الضروري تفعيل التعاون والتشارك بين الهيئة التعليمية من جهة وعائلات الطلاب من جهة أخرى؛ بهدف الوصول إلى علاج ناجح وفوري للحدّ من ظاهرة التنمّر المدرسي.

دلالات