ترامب وسياسات الإقالة

ترامب وسياسات الإقالة

02 نوفمبر 2019
+ الخط -
"العالم المتقدّم لا مكان فيه للمفاجأة، ففي دبلوماسيات الدول المتقدّمة تكون الاستقالات أو الإقالات الرسمية للوزراء والمسؤولين والقادة العسكريين متفقاً عليها بين مراكز الحكم وصنّاع القرار وتلك الشخصيات المستقيلة أو المقيلة، خاصة أنهم رجال ينطبق عليهم المثل القائل: "الرجل المناسب في المكان المناسب". في حين أن الدول التي تفتقر إلى الحكمة والحنكة والدبلوماسية تراها أكثر الدول استمتاعاً بالإقالات المفاجئة للاستفزاز والسخرية، لتصل الأمور أحياناً إلى إقامة احتفالات وأفراح بشأنها.

والجدل الذي شهده الوسط السياسي العالمي، وخصوصاً الأميركي، بعد إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون، المعروف بـ"عاشق الحروب"، بإطلاق تغريدة تويتر على حسابه: "أبلغت جون بولتون الليلة الماضية بأنه لم تعد ثمّة حاجة لخدماته في البيت الأبيض، اختلفت بشدة مع الكثير من اقتراحاته، مثلي مثل آخرين في الإدارة"، خالفت كل التوقعات لقواعد اللياقة الأدبية لمكانة الصقور لدى ترامب في الرد على رواية بولتون: "عرضت تقديم استقالتي ليلة أمس، والرئيس ترامب قال لي لنناقش المسألة غداً".

ووجّه ترامب بعزل بولتون صفعة قوية إلى اليمين المتشدّد، وإلى كلّ أغبياء السياسة، والذين يظنّون أنه سيرمي إيران بوردة، من أجل عيون الكرد والعرب. فترامب الذي صعّد العقوبات الاقتصادية على إيران، رمى برجل الحرب في سلّة المهملات قبيل الانتخابات الأميركية، لتتباين النتائج التي تفيد بأن ترامب يريد تفادي المواجهات العسكرية، بدليل وبحسب صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، أنّ ترامب اعتبر أن غزو العراق كان "خطأً جسيماً"، ساعد فيه بولتون، وعمل عليه خلال عمله في إدارة الرئيس "جورج بوش الابن".

ارتباك السياسة الأميركية وتأزّمها، وتعقّد ثلاثة ملفّات ساخنة: "كوريا الشمالية، وإيران، وأفغانستان"، أوجدت السبب المباشر لقرار الطرد، بمعارضة بولتون انفتاح واشنطن على كوريا الشمالية وإيران ورغبته في الحلّ الدبلوماسي في أفغانستان، وانتهاجه استراتيجيات حادّة ومتشدّدة داخل الإدارة الأميركية، فأفقدت ترامب الثقة بإدارته.

في الداخل الأميركي، قد لا تهمّنا الإقالة من الاستقالة، ولا الطرد من العزل، أمام سياستها الخارجية، فهي القضية الأهم لاستراتيجية مستقبلنا البائس، بتعلّم الكرد دروس الإقالة والاستقالة من سياسة ترامب، فهل نرى في قادم الأيام، سكرتيراً كردياً – سورياً، يعزل أو يقيل قيادياً كبيراً من حزبه، ليجلس في بيته، معزّزاً مكرّماً، دون أن يتحرّك الأخير في الخفاء، ويجمع حوله أعضاء من كتله وخلاياه النائمة، بعد أن يجبرهم على ترك الحزب وخلق الفوضى؛ لإعلان ولادة حزب جديد، قد لا يقدّم مشروعاً وحلولاً للأزمات الكردية الجديدة والمتجدّدة، دون أن يخجل من الناس والمجتمع والقضية التي يناضل من أجلها؟

إن رحيل بولتون لم يكن يوماً خسارة للكرد، ولا مكسباً لهم ولقضيتهم وحلمهم، بقدر ما سيكون عاملاً لتشتيتهم وتوسّع كوّة الفوضى، كذلك لا يمكننا أن نعتبر رحيله انخفاضاً لفرص الحرب أمام أطماع الدول الكبرى في الشرق الأوسط، في زمن مَن يراهن فيه على السلام العالمي يستحقّ أن يعيش في مصحّة للأمراض العقلية.

ختاماً، هنالك ‫سؤال ربّما حيّر الرأي العام الكردي والعربي والعالمي: لماذا أحضر ترامب بولتون إلى البيت الأبيض، ليخرجه من الباب الذي أدخله منه بعد عام ونصف، وهو مدرك تماماً أن الأخير مولَع بالحروب العالمية، وسجلّه السياسي معروف، وعقيدته الصقورية – اليمينية تتنافى مع مشروع السلام بسحب القوات الأميركية من الشرق، وإنهاء دور الشرطي فيها؟