هل كانت الثورة السورية تستحق كل هذا؟

هل كانت الثورة السورية تستحق كل هذا؟

29 يوليو 2018
+ الخط -

في كل مرحلة من مراحل الصراعات الكبرى في العالم، تزدهر بعض المقولات دون بعض، رغم صلاحية النقاش حولها في كل المراحل، بغض النظر عن صحتها من عدمها، لتعكس الآثار النفسية والاجتماعية لطبيعة المرحلة السائدة على ضفتي الصراع.

في سورية، دخل الصراع بين الشعب والنظام في الأشهر الماضية مرحلة جديدة، قوامها عودة نظام الأسد إلى السيطرة على المناطق التي حظيت لبعض الوقت بفرصة التعرف لأول مرة منذ عقود على حضن الوطن مجرداً عن حضن الديكتاتورية الدموية، تلك التجربة التي لم تشكل مثالاً يحتذى، نتيجة هيمنة الفصائلية وصراعاتها والفوضى الأمنية والقضائية، كما لم يُسمح لها بأن تشكل نموذجاً محلياً ناجحاً أو نواة لبديل ممكن عن النظام.

فطائرات الأسد وروسيا ومليشيات إيران ومدفعيتهم أحالت عمرانها خراباً، وسوت معظم أبنيتها بالأرض، والدول التي ادعت صداقة الشعب السوري كانت غالباً تتحين الفرصة لاستعادة الوضع السابق، وتضغط طوال الوقت بصورة مباشرة وغير مباشرة في هذا الاتجاه، من خلال خلاياها الاستخباراتية واختراقاتها العميقة ووعودها الكاذبة، إلى أن تكللت جهود "الأصدقاء" والأعداء بتوافق شبه جماعي على إنهاء "التمرد" السوري، ليتجلى ذلك في عودة معظم ما سمي بمناطق خفض التصعيد إلى "حضن" الأسد.


ثمة من بات يفترض ابتداً بأن الحراك الاحتجاجي السياسي والاجتماعي والاقتصادي قد وصل إلى طريق مسدود، وأن النظام الحاكم تمكن من قمعه بشكل كامل أو على وشك ذلك، رغم أن نظام الأسد يبدو بعيداً جداً عن استعادة ما خسره، استناداً إلى الواقع والحقائق الماثلة على الأرض.

أول هذه الحقائق أنه لا تزال أكثر من 40% من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، بعضها يضم ثروة البلاد من النفط والغاز، مروراً بحقيقة أن النظام لم يعد يملك قراره السياسي والعسكري، بل لم يعد قادراً على تحديد مصيره الذي بات يُحدد فقط من قبل "المخلص" والمنقذ الروسي والإيراني، وصولاً إلى وجود 7 جيوش أجنبية في البلد، لكل منها نطاق نفوذه وسيطرته ودوره الذي لا يمكن تجاوزه، صغر أم كبر، في رسم معادلة "الحل النهائي".

فمقولة هل كانت الثورة السورية ومطالبها تستحق كل هذه الدماء وكل هذا الدمار بعدما تبين أن كل ذلك ذهب هدراً؟ التي تطرح على شكل سؤال، هي مقولة تنطوي على مغالطتين، رغم أن السؤال بحد ذاته جدير بالإجابة والنقاش والتفكير.

المغالطة الأولى الكامنة في هذا السؤال هي افتراض أن النظام عاد إلى سابق عهده من القوة والسيطرة، وتسابق القوى العظمى على القيام بما يلزم لضمان استمراره "مؤقتاً" على الأقل، بما يعني فشل الثورة التي طالبت بالديمقراطية والحرية والكرامة، وهو افتراض ينطلق من قراءة انفعالية للأحداث الأخيرة، ويغفل الحقائق التي ذكرناها، ولا يأخذ بعين الاعتبار المسار الطويل لجميع الثورات التي عرفها التاريخ والتي استغرقت في كثير من الحالات عشرات السنين في سلسلة من جولات تمكنت الأنظمة من حسم كثير منها لمصلحتها، لكن لطالما كانت العبرة بالجولة الأخيرة.

أما المغالطة الثانية، فهي افتراض أن الثورة كانت خطة معدة مسبقاً، واضحة المسار والنتيجة، والحال أنه لا أحد ادعى أو يدعي ذلك إلا أنصار محور الممانعة الذين لم يروا في الثورة ولا جذورها إلا محض "مؤامرة كونية". دعونا نتذكر أن الثورات تولد ولادة ولا تصنع صناعة، وهي انفجار اجتماعي في وجه ممارسات السلطة الحاكمة من اضطهاد وإقصاء وتمييز واستئثار.

الثورة انفجار يتجاوز حتى المعارضين وسقوفهم التقليدية وآفاقهم، ولا يملك أحد التحكم في توقيته أو شدته، أو التنبؤ بحجم ونوع التدخلات التي ستحاول توظيفه في اتجاهات متعارضة ستلقي بظلالها بطبيعة الحال على المسار العام لهذا الانفجار والمرحلة التي يمكن أن يصل إليها.

أما الطرح العام لسؤال "هل كانت تستحق؟" فهو كما ذكرت جدير بالإجابة والنقاش والتفكير، فمقارنة التضحيات بالمكاسب في الشأن العام أمر لا مفر منه، ومعيار ينبغي تحكيمه عند اختيار الطريقة المناسبة لتحقيق المطالب الجوهرية، على الرغم من أن الشعب السوري لم يختر بمحض إرادته طوال سنوات الثورة سوى كسر حاجز الخوف وقول كلمته الخالدة في رفض استمرار "سورية الأسد" وإظهار عزيمة نادرة في تحقيق التغيير.

لندع التاريخ، إذن، يحكم ما إذا كانت الثورة السورية تستحق ما بذل من أجلها من تضحيات، وهل اختار الشعب السوري بنفسه هذا المقدار من المآسي التي حلت به، أم أنها كانت التجسيد الأبرز لمقولة "الأسد أو نحرق البلد"، والعقاب الذي قرر أشقاء النظام السوري في الطغيان واغتصاب السلطة حول العالم مجازاة السوريين به!

CCC1F875-8A4B-471C-BAC7-8D015367F189
CCC1F875-8A4B-471C-BAC7-8D015367F189
إبراهيم العلبي
إبراهيم العلبي

مدونات أخرى