من سيربح المليون؟

من سيربح المليون؟

27 يوليو 2018
+ الخط -
قدّمت مجموعة من المحطات التلفزيونية العربية في مطلع الألفية الجديدة من القرن الواحد والعشرين برامج مميّزة وفريدة من نوعها، وكان هدفها من ذلك محاكاة المشاهد العربي، وتوفير موسم تلفزيوني يتوافق مع ذوقه واهتمامه، بهدف تحقيق النّجاح والانتشار في الدول العربية، فظهرت برامج الحوارات المعروفة باسم "توك شو" (Talk Show) التي تتخصص في مجالات معينة كالفنّ أو السياسة أو القضايا الاجتماعية، وأُنتجت أيضًا برامج الألعاب الترفيهية والمسابقات الثقافية والمعرفية، التي يشارك فيها متسابق واحد أو عدد من المتسابقين، من أجل الربح في نهاية المسابقة.

لعلّ من أشهر وأنجح برامج المسابقات التي ظهرت في عام 2000 برنامج "من سيربح المليون" من تقديم الإعلامي جورج قرداحي، وهو النسخة العربية المنتجة من برنامج (Who wants to be a millionaire)، وتزامن إنتاجه وعرضه مع انتشار أجهزة استقبال القنوات الفضائية بكثافة في الدول العربية، واستطاع البرنامج جذب اهتمام كثير من المشاهدين العرب باختلاف أعمارهم؛ بسبب اعتماده على مجموعة عوامل ساهمت في نجاحه، كتطبيقه مفهوم التسلية الثقافية باختبار المعلومات في أكثر من مجال معرفي، الذي شجع النَّاس على المشاركة فيه، ومشاهدته في المنازل لتوقع إجابات الأسئلة المطروحة على المتسابقين، كما ظهرت الاحترافية في طبيعة الأسئلة المطروحة وتشويق المتسابق قبل تحديد فوزه أو خسارته، وهكذا حجز برنامج "من سيربح المليون" مكانًا مهمًا أثناء مواسم عرضه.

استوحى مبرمجو الألعاب الحاسوبية في فترة انتشار برنامج "من سيربح المليون" فكرة تصميم لعبة مشابهة له، ولاقت رواجًا بين مستخدمي أجهزة الحاسوب، وأذكر أنني حصلتُ على نسخة من اللعبة على قرص مرن (Floppy Disk) من صديق لي، فكانت تنظّمُ منافسات للإجابة عن أسئلة المسابقة بين أفراد العائلة ومع الأصدقاء، كما ظهرت في تلك الفترة برامج مسابقات متنوّعة في أفكارها ومحتواها، مثل وزنك ذهب والحلقة الأضعف.

غابت برامج المسابقات الثقافية ذات الجودة منذ سنوات، مع أن بعض المحطات التلفزيونية العربية عرضت برامج جديدة من هذا النوع بأفكار حديثة، إلا أنها فقدت البريق الذي يجذب المشاهد العربي لمشاهدتها، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، كاختيار فنانين أو فنانات لا يمتلكون المؤهلات الكافية لتقديم هذه البرامج، والابتعاد عن طرح الأسئلة ذات الطبيعة الثقافية، واستبدالها بأسئلة عامة وغير دقيقة أحيانًا وتكاد تقترب من مسمى الثقافة، وغالبًا يتم اللجوء إلى هذه الخيارات في إنتاج وتقديم البرنامج؛ بهدف التسويق والإعلان فقط.

إن نجاح برامج المسابقات الثقافية في الوقت الحالي يحتاج إلى بنائها بطريقة صحيحة؛ حتّى ولو كانت مقتبسة من أفكار عالمية، فيجب اختيار الإعلامي المناسب لتقديم البرنامج، والذي تتوفر فيه الصفات الجامعة بين كفاءة الأداء، والمعرفة الفكرية، والرّقي في التعامل، والرَّصانة أثناء الحوار، كما من الضروري إعداد أسئلة تشارك في تنمية فكر المتسابقين والمشاهدين وتضيف معلومات إليهم، أمّا إنتاج برامج مسابقات غير هادفة وبعيدة عن الجدية والمهنية، سوف يؤدي إلى كسادها وعدم استمراريتها؛ بسبب فقرها الثقافي والمعرفي، لتتحوّل إلى برامج ربحية لا ثقافية.

ينبغي على المحطات التلفزيونية العربية إدراك مدى أهمية تقديم برامج مسابقات ثقافية تحاكي عقول المشاهدين، كإنتاج مواسم جديدة من برامج المسابقات المشهورة التي ظهرت في مطلع القرن الواحد والعشرين، أو الاستعانة بأفكار مستحدثة وبنّاءة ذات فائدة، وتحتوي على المعلومة، وتحقق التسلية للمتسابق والمشاهد بأسلوب متزن وجاد واحترافي، يعيد الألق السابق لهذه النوعية من البرامج، ويجعلها مؤهلة لتكون موارد علم وثقافة.