أحمد كايا... حين تنفيك أغانيك ولغتك

أحمد كايا... حين تنفيك أغانيك ولغتك

11 ابريل 2018
+ الخط -
"سأترك عصافيري وأوراقي.. وأرحل".. ولد أحمد كايا، المغني الكردي التركي، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1957، لعائلة فقيرة أساسها كان أباً كردياً وأماً تركية..

هاجر السيد مهموت كايا مضطرا من محافظة أديامان التي تقع في الجنوب الشرقي من تركيا، إلى مدينة اسطنبول التركية بحثا عن لقمة العيش وعن أحوال عمل أفضل، عمل مهموت كايا في مصانع النسيج، لكن الحال لم يتحسن، ما اضطر أحمد، وهو أصغر إخوته، لترك المدرسة ليبحث عن عمل يجد فيه قوت يومه ويعينه على مجابهة الحياة وفقرها..

باع أحمد كايا أشرطة الأغاني والجرائد والمنشورات، وأوقفته الشرطة ووضعته في السجن -كان عمره 13 عاما فقط -، بتهمة توزيع منشورات سياسية مناهضة لانقلاب مايو/ أيار 1960..


كان أحمد يعشق الموسيقى فتعلمها لوحده وأحب آلة الباغناما التركية الأصيلة، وفي سن التاسعة عشرة أتيحت لأحمد أول فرصة للغناء وكان ذلك في عيد العمال، كانت تلك الحادثة الخطوة الأولى التي بدأ فيها أحمد مشوار الغناء..

في 12 مارس/ آذار 1971 حدث ثاني انقلاب عسكري في تركيا، وسمي بانقلاب المذكرة، تأثرت أفكار أحمد كايا في هذا الانقلاب لما حدث فيه من تغيرات سياسية واجتماعية، وعلى وجه الخصوص كان التأثير الاجتماعي الأكبر على أحمد كايا، فبدأت حملات الهجرة من الريف للمدن وتطورات الأحداث وثورات الجامعات التي كانت تناهض الانقلاب، وتوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء وازدياد حدة التوجهات السياسية لهم..

التأثير الأكبر اجتماعيا على أحمد كايا الذي شده آنذاك الغناء الوطني الذي كان عرابه المطرب "روحي سو" وكان منتشرا جدا بين طلاب الجامعات وفئات الشعب التركي، ساهم اندفاعه للغناء الوطني ضد الانقلاب والثورة عليه في الشهرة أكثر والسفر والتنقل بين المناطق والمحافظات التركية..

كانت لأحمد إصدارات غنائية كثيرة، أولها كان البوم "بكاء طفل" وأهداه لأمه عام 1985، كان يتوقع أنه سيعتقل بين حين وآخر، لكن شهرة ذاك الألبوم حالت دون ذلك، تشجع أحمد وأصدر البومه الثاني في العام نفسه أطلق عليه اسم "الألم"..

توالت الإصدارات بعد هذين الإصدارين، (ألبومي "الدخل" و"كلمات الفجر" 1986)، إلى ألبوم "الديمقراطية المتعبة" و"أنا أحدد" 1988، و"الورد المتفائل" 1989، و"جدار الحب" 1990..

كثرت الإصدارات حتى وصلت لأكثر من 30 إصدارا، إلى أن وصل لإصداره الغنائي "ضد أصدقاء العدو" 1998، الذي نال عليه جائزة الموسيقار من تلفزيون شو التركي عام 1999. كان أحمد يخشى أن يعلن عن أصله الكردي رغم أنه كام يعشق الغناء بلغته التي لطالما أحبها، لكن هذا الخوف عنده لم يدم طويلا، فوضع نصب عينيه أن عليه إعلان أنه سيغني فقط باللغة الكردية، وقرر انتهاز أول فرصة لإعلان ذلك..

أتت الفرصة التي انتظرها أحمد وحدث ذلك في مهرجان عام 1999 وأعلن أنه لن يخفي من الآن فصاعدا انتماءه الكردي بل سيفتخر به وسيعلنه أمام جماهيره.. ذاك الإعلان والفخر أثارا حفيظة المعارضين للأكراد..

لاقى إعلانه هذا هجوما واسعا من الحاضرين للمهرجان، وأودع في السجن للمرة الثانية في حياته، وكانت التهمة، الدعوة للعنصرية..

شارفت مدة اعتقاله على الاقتراب من الشهر الرابع، وكان ينتظر أحمد ذلك التاريخ، لأنه كان متعاقدا مع جهة فرنسية لإقامة حفل في فرنسا، فاضطرت السلطات التركية للسماح لأحمد بالخروج من السجن ليحيي حفله في فرنسا شرط أن يعود إلى تركيا فور انتهاء الحفل..

خرج أحمد من اعتقاله وهو عاقد آمال بقائه على قيد الحياة في هذا الحفل، ترك المغني الشعبي كل شيء خلفه، وطنه، حروفه، ألحانه وأغانيه التي كانت تأن بالوجع والآلام، وودع تركيا وسافر إلى منفاه الأخير..

فرنسا المكان الذي احتواه وبقي فيه حتى باغته الموت إثر نوبة قلبية أدت لوفاته في عام 2000. يذكر أن تركيا طالبت فرنسا باستعادة جثمانه لدفنه في موطنه الذي نفي منه، بسبب انتمائه ولغته.
6C5F2674-6D13-42EF-B21F-3DE83CA613C0
عبد العزيز حمدون

شاب سوري... أدرس صحافة وإعلام في بيروت. يقول: أؤمن أن ما لا نغيره بالقوة يمكننا تغييره بالكلمة.