أعطاب الحداثة في الجزائر

أعطاب الحداثة في الجزائر

30 مارس 2018
+ الخط -
لماذا لم يتعدّ الفكر الحداثي والطرح العلماني أعتاب المدن الكبرى الحضرية وبقي محصور التبني لدى بعض الفئات المجتمعية من النخبة المتعلمة وفي رقعة جغرافية محددة؟

ولماذا شكل الفكر الحداثي رفضا ومقاومة من طرف بعض المكونات المجتمعية المحافظة وارتبط مفهوم العصرنة والتحديث بالاستعمار الفرنسي والتغريب والغزو الثقافي؟
وما هي الصورة في المخيال الشعبي لمفهوم اللائكية والعلمانية وفق التكوينات التاريخية والأنتربولوجية وحتى السياسية؟

هذه جملة من الأسئلة المطروحة على ساحة النقاش في الجزائر، نحاول تشخيص الواقع في فهم هذه الإشكاليات وفق سياقات تاريخية وسياسية.

وبغية استقراء الحاضر، علينا الوقوف على بعض المحطات التاريخية، بدءاً بالوجود الفرنسي خلال الفترة الاحتلالية وعبر انتشار المدرسة الفرنسية وسط الانديجان.

في تلك المرحلة، تشكلت نخبة سياسية وطنية مستنيرة ومتعلمة تحمل الثقافة الفرنسية، فقد كان من حظ العائلات البرجوازية المتوسطة والصغيرة تعليم الأبناء في تلك المدارس.

كما أن دخول التعليم الفرنسي المداشر والقرى أعطى فرص التعليم الأوروبي للكثير من أبناء تلك المناطق المحرومة برغم تحفظ ومقاطعة بعض العائلات الجزائرية تخوفاً وارتباكاً مما كانوا يسمّونه بـ"التنصير" بينما كانت المدرسة الفرنسية علمانية.

هذا التعليم أنتج نخبة متعلمة من محامين وأطباء وصحافيين وإداريين، على غرار فرحات عباس، الذي قال في كتاب الشاب الجزائري إن فرصة التعليم كانت فرصة الارتقاء الاجتماعي لنا.

الشيء نفسه، ينسحب على الكاتب و الروائي مولود فرعون الذي يعد من الفئة المثقفة المستنيرة من أبناء القرى الريفية، إذْ حظي بالتعليم في المدرسة الفرنسية، وتبنى الفكر الحداثي وفق إطاره الزمني، مثله مثل مالك حداد ومولود معمري وكاتب ياسين.

هؤلاء، شكلت المدرسة الفرنسية لديهم محطة تنويرية انعكست على مسيراتهم النضالية والشخصية، مما أكسبهم الشرعية الوطنية والثورية في كفاحهم ضد الكيان الكولونيالي.

لكن الصراع الأيديولوجي مع التيار الإصلاحي الذي عمل على ربط التنوير والحداثة على أنه صناعة استعمارية مرتبطة بالولاء للمستعمر عبر التوافق الأيديولوجي واللغوي، أضعف هذا الطرف سياسياً أمام الجماهير تحت مسميات حزب فرنسا.

بعدها، باشرت دولة الاستقلال والدولة الوطنية تحديث المجتمع وفق تصورات معينة تقضي بخلق مجتمع صناعي كمرحلة ضرورية في عصرنة المجتمع.

غير أن هذا المجتمع لم يستوعب المكننة أو التقدم التقني – العلمي كنمط معيشي يحدث التغييرات على مستوى السلوكيات والذهنيات، ما أحدث تعارضاً مع نمط التقليدي والريفي كخصوصيات اجتماعية غير مؤهلة لتقبل تلك المتغيرات.

وكان هذا عاملاً ثانيا للتفكيك البنيوي للفرد الجزائري، بعد التفكيك الكولونيالي لنسق المجتمعي القائم على الزوايا والعشيرة والقبلية في غياب نمط التحديثي للدولة.

الفشل الآخر الذي رسمته الدولة وساهم في إفشال المشروع التحديثي هو غياب المدينة كفضاء عمراني – تعايشي يستقطب المكونات المجتمعية في مساحات الحرية والإبداع الفني والثقافي والتعايش المتنوع داخل الكيان المدينة.