تأثير الاقتصاد المعرفي في المجتمع العربي

تأثير الاقتصاد المعرفي في المجتمع العربي

24 مارس 2018
+ الخط -
أثرت المعرفة، وتحديدًا ذات الطبيعة التكنولوجية، في العالم منذ نهاية القرن العشرين، وساهمت في تغيير ملامح المجتمعات، فظهر تأثيرها في مجالات لم يتوقعها الإنسان في الماضي؛ إذ انتشرت لتؤثّر في كلِّ شيء تطاوله تقريبًا، فاستثمرت المعرفة في السياسة، والاقتصاد، والعلوم، والفكر البشري الذي صار يواكب تطوّرات المعرفة باستمرار، وكانت للاقتصاد حصة كبيرة من استثمارات المعرفة، وتبلورت بظهور العديد من المصطلحات التي لم تكن معروفة في الماضي، ولعل الاقتصاد المعرفي أحد أهمّ هذه المصطلحات التي ساهمت في تغيير ملامح الاقتصاد العالمي، الذي أثر بدوره في المجتمعات، وكان للمجتمع العربي نصيب واضح من هذا التأثير.

إن الاقتصاد المعرفي أحد المفاهيم الحديثة التي ارتبطت مع المعرفة التكنولوجية برابط مباشر، فاعتمد هذا النوع من الاقتصاد على الجمع بين الإنتاج وعملياته والتكنولوجيا ووسائلها المتطوّرة، لضمان سهولة الحصول على مخرجات الإنتاج، وينجح الدور الفعّال للاقتصاد المعرفي من خلال الاعتماد على الابتكار في صناعة سلع جديدة، وتشجيع النّاس على التعامل معها؛ من طريق تحويل حاجات الأفراد العامة حتى تتكيف مع مخرجات الاقتصاد المعرفي تدريجيًا.

تأثر المجتمع العربي في الاقتصاد المعرفي مثلما تأثرت العديد من المجتمعات الأُخرى، وكانت له آثار إيجابية وسلبية، فأثر إيجابيًا بمساهمته في تقديم الدعم للتنمية الاقتصادية المعتمدة على التطوّر التكنولوجي في الدّول العربية، من خلال دور الشركات الحديثة التي استخدمت مخرجات المعرفة في مجالات عملها، فصارت الشركات التجارية تجمع بين التّجارة ووسائل المعرفة لإنتاج منتجات جديدة، كما طوّر الاقتصاد المعرفي تقنيات الاتصالات في الدّول العربية، فتحوّل الاتصال الهاتفي السلكي إلى اتصال هاتفي خلوي لاسلكي، ورافقه لاحقًا انتشار كبير لشبكة الإنترنت التي صارت مع الوقت عنصرًا أساسيًا من عناصر الحياة.

ظهرت الآثار السلبيّة للاقتصاد المعرفي من خلال انتشار الاعتماد على المعرفة الجاهزة، فصار الاهتمام بالابتكار المعتمد على المعرفة محدودًا مقارنة بزيادة الاستعداد لاستخدام المعرفة المستوردة والجاهزة، التي استخدمت في الإنتاج وعملياته فقلّلت من إمكانية المنافسة العربية في السّوق العالمي؛ بسبب زيادة معدل الاستيراد عن معدل التصدير المُتخصص بالصناعات المعتمدة على المعرفة، التي تجد لها بيئة مناسبة في المجتمعات الأخرى، كصناعة الهواتف الذكية، كما أثر الاقتصاد المعرفي سلبيًا في الموازنات الماليّة؛ بسبب تسارع التطوّرات الناتجة عن هذا الاقتصاد مع زيادة التكاليف المُخصّصة لها، التي تظهر في شكل ضغط مالي لتوفير التقنيات المتطوّرة، وتدريب الموظفين للتعامل معها، وتغيير نمط الحياة السائدة في المجتمع العربي حتّى يصبح قادرًا على تقبلها والتأقلم معها، وتحديدًا ضمن عالم الأعمال ونظام التعليم اللذين يتأثران مباشرة بنتائج الاقتصاد المعرفي.

يحتاج المجتمع العربي إلى إدراك التأثيرات الناتجة عن الاقتصاد المعرفي، والاستعداد لتقبل انتشاره بالاستفادة من الإيجابيات التي يقدّمها في العديد من المجالات، ومحاولة مواجهة السلبيات الناتجة عنه، وتحويلها إلى مخرجات من الممكن التأقلم معها بما يتناسب مع نمط الحياة السائد، فيجب على الشركات العربيّة بناء بيئة مهنية قابلة للتكامل مع الصناعات المعرفية العالمية، وقادرة على مجاراتها بإنتاج صناعات معتمدة على الابتكار، وتجب إعادة هيكلة نظام التعليم ليصبح مرتكزًا على الأبحاث والدراسات المبتكرة بدلًا من نمطية التلقين الدراسي، ومن الضروري الاهتمام بالتّجارة المعتمدة على الاقتصاد المعرفي، التي تساهم في زيادة صادرات التجارة العربية إلى دول العالم، فيساعد إدراك طبيعة الاقتصاد المعرفي على تحقيق النّمو الاقتصادي في المجتمع العربي.