السعودية... حقاً الصورة محزنة

السعودية... حقاً الصورة محزنة

22 مارس 2018
+ الخط -
مهما اختلف الإنسان مع سياسة المملكة العربية السعودية، وليس انطلاقاً من تعصب الانتماء العربي، يصاب أيضاً بحزن من المهانة وانحدار مكانة وصورة الرياض، التي ظل كثيرون يرونها عاصمة أساسية في العالم العربي، بل أطلق عليها بعضهم "عاصمة القرار العربي"، بعد "استقالة" مصر الانقلاب عن مكانتها، واختزالها في نجاة قائده عبد الفتاح االسيسي بالارتماء في حضن تل أبيب وواشنطن والمال الخليجي.

هذه اللقطة، التي استعاد فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل ما بشّر به في خطاباته السابقة لتولي منصبه في البيت الأبيض عن المال العربي، وتحديداً الخليجي وبالأخص السعودي، ليست مجرد استهتار وعجرفة وبعقلية نيوكولونيالية، بل وللأسف الشديد هي لقطة، مع ما سبقها من تسميات مهينة "بقرة حلوب" وهستيريا "بلايين وبلايين .. وجوز جوبز جوبز".. وما رافقها في زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جدل حول استخدامه تلك اللوحات التوضيحية لجمهوره الأميركي، لا يرغبها العربي للرياض، مهما اختلف مع نهج وسياسات السعودية، سابقاً وحاضراً، وخصوصاً في اختيار الانخراط في عملية فاشلة من الاستقواء باليمين الأميركي المتطرف ضد أشقاء لهم، والتخلي عن الدور والمكانة، اللذين خسرتهما منذ بداية تخبط السياسات.


تلك اللقطة أيضاً لا تخص فقط الأخوة السعوديين، ومهما حاول بعضهم، في زمن العجائب، التعليق عليها بأنها "احترام للرئيس الأميركي لأنه في ثقافتنا احترام الكبير بالسن واجب"، إذ جاء الرد سريعاً على مواقع التواصل السعودية نفسها بأنه بذلك "سنكون أمام نفس المهانة لأن كل زعماء العالم أكبر منه (من ولي العهد محمد بن سلمان) فهي تصيب كل العرب.

لقطة ترامب ليست اعتباطية ولا ارتجالية، فالمسرح أعد سلفاً. لكن المدهش حقا أن يقبل بن سلمان دفع أثمان مدمرة لبلده وللعرب جميعاً على هذا النحو، ندرك بأن خيارات الرياض كانت أوسع من ذلك بكثير، وكان يمكن أن تكون أفضل، لو كانت سياسة المصالح تعمل بشكل أكثر استقلالية وأكثر حزماً في مسائل السيادة وتنويع الخيارات في مواجهة التحديات.

مآخذ كثيرة في سياق البحث السعودي عن درء أخطار محدقة بها وبالخليج، وبغض النظر عن الاختلاف في سياسات الراهن، إلا أن التهديد الإيراني الذي تخشاه الرياض حقيقي، وليس مبنياً على أوهام. فكان يمكن للرياض أن تواجهه باستراتيجية عربية وخليجية أخرى، بدل الانسياق وراء سياسات مراهقي السياسة في أبوظبي، والبحث عن تدمير تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع عدد من العواصم، القريبة والبعيدة، بما فيها أنقرة.

للأسف الشديد أضاعت "عاصمة القرار" نحو سنة، في سياق تعميق الأزمة الخليجية وحصار قطر، والغوص في لغة شوارعية صادرة عن مستشارين يدمرون النسيج، فيما الدونية مع واشنطن، وأدوات إيران في العراق وسورية ولبنان، بوهم "سحبهم من حضن الولي الفقيه"، لم تنتج خلال سنة كاملة سوى بؤس المشهد بالإصرار على المضي فيه.

مقدمات تخبط الصورة أوضح من التعمية عليها. فمن الارتماء تارة في حضن واشنطن، إلى التكتيك بالارتماء لدى موسكو، وتسليمها معادلة كفّ يد إيران في سورية، أيضا بأوهام كبيرة، ثم اعتبار مسبب الانقلاب في اليمن "بطلاً قومياً عربياً" (علي عبد الله صالح وأسرته اليوم، والمفاوضات السرية مع الحوثيين هذه الأيام)، ومثله اعتبار من هددوا باجتياح السعودية من العراق نحو مكة والمدينة، من مليشيات إيران، حلفاء للرياض، تستقبلهم كـ"رجال دولة"، والهمس باعتبار سفاح سورية، بشار الأسد، بعد لعق الأستاذ عادل الجبير لدبلوماسية "بتشوف"، حاجة قومية، وهو الذي شرع الأبواب للتطرف والتحالف مع طهران، إلى الانخراط والارتهان بهذا الشكل المهين والارتجالي لسياسة أبوظبي في استعداء الشعوب العربية، والتعنت في السير فيما يوصف بـ"صفقة القرن"، كلها، وغيرها كثير، يشي بأن السعودية بالفعل تستحق غير هذا الذي يجري معها ولها.

ما من شك، مهما اعتقد بعضهم أن الزمن توقف منذ لحظة فرض الحصار على قطر، أن الأزمة الخليجية ذاهبة نحو حل ما، لكن تعمقت الجروح التي أصابت الجسد العربي، وتتعمق أكثر بهذه السياسة التي يبدو أيضاً أنها سائرة نحو استقالة الرياض عن أي دور.

والأخطر، في كل الذي يجري، أن الرياض، منتبهة أو مخدوعة، يسير بها صغار القوم نحو البحث عن بوصلة ما، فيدغدغ مشاعر الغرب بتسليع قضية حقوق المرأة السعودية، وكأن القضية كلها تعتمد على اللقطة ولون ما ترتديه.

إن الإرث في قيمة ومكانة الدول، وإصلاحها وتطويرها وتقدمها وترسيخها، يمكن أن يتداعى ببساطة، حين يصاب من يورث هذا الإرث بالغرور وجنون العظمة، وليس ثمة طريقة أخرى لوقف هذا التداعي الخطير سوى بمراجعة جدية، والسعوديون أولى بمعرفتها وأدواتها، وخصوصا في التوقف، قبل الانهيار، عن الانسياق وراء صبيانية تتصرف في أبوظبي وكأنها باتت مركز الكون، فيما التاريخ يعلمنا بأن الوهم ما صنع يوماً مجداً بل جنوناً وانهياراً.