فئران بشرية

فئران بشرية

11 فبراير 2018
+ الخط -


نعيش مع الفئران جنباً إلى جنب، نتشابه ونختلف عنها بشكل أو بآخر، فالفأر يدخل إلى المنزل من ثقب أو ينتظر فرصة سانحة، يضرم الفوضى، يأخذ ما يريد، قد يتحسس الأواني، يقضم هنا ويفتت هناك، ثم ينسحب بهدوء.

نعيد ترتيب المكان ونتعود على صيغته الجديدة ولا نكترث لما أتلفه أو نقص بسببه، لكن الروح ليست كالمكان.

نحن البشر عكس الفئران، أبسط من المتوقع ومعقدون أكثر تعقيداً من اللازم، يدخل كلّ منا حياة الآخر يغرقها بالفوضى والحزن والضجيج، يلوث الروح وأحياناً كثيرة الحواس ثم يتركها،
هكذا ببساطة!

ولو أنهم اقتطعوا جزءاً من الجسد لتأقلمنا ونسينا فالجسد حاوٍ، مجرد مكان، لكن الروح لا تغفر تجزئتها ولا تنسى سبب ذلك.

نترك للفئران البشرية مساحة للدخول بقصد أو بإهمال مسبق، يعبثون ويتلصصون يسرقون بعضك أو كلك، ثم ندرك أخيراً أن لا عقاب يضاهي خروجهم من أقرب ثقبٍ في جدران المطبخ لكن لا مفر من ثقوب الروح وهي أكثر إيلاماً.

ليس صحيحاً! بل نترك لهم مساحة، ننتظر السلام، نعلل بقاءهم لسبب مهم كبقاء الفأر في بوتجاز المطبخ ليصنع عشاً للولادة وبعد كل فعل أو قول بشع يتشبثون بالبقاء وهم على قناعة كاملة أن هذا الجزء من الحياة ملكهم، لا يدركون بشاعة الاستيلاء بدون حق، بدون إذن مسبق!

يتعذر علينا إخراج البشر والفأر بدون فوضى فكلاهما مؤمن بحق امتلاكه جزءاً من حياتنا، نخرج الفأر بمصيدة مجهزة بكل أنواع الملذات.

لكن هل هناك مصيدة للبشر؟

لا توجد للأسف مصيدة تخفف أعباءنا البشرية بل نتزاحم ونتكاثر ونتمسك بالغث والسمين فنضيع بين بين، حتى إننا لم نعد ندري أينا الصياد وأينا الصيد، فقد نجد أحدهم يتقن دور المصيدة ببراعة شديدة.
يهتم كبار السن بماذا سيُقال عنّا، ويتناسون أن لنا حياة نخطها بأيدينا ونحصدها على ظهورنا بدون أن يدرك الآخرون حجم المعاناة، فلمَ نهتم لأمر الناس الذين يتسللون كالفئران وهم في الأصل باحثون عن صيدٍ ومصيدة.

يتساءلون، يتهامسون، يسلّطون ألسنة بعضهم على بعض بدون رحمة ومع ذلك نطالب بالاكتراث لكل هذا العبث!

كثيرون يسألون ويقذفون بالجمل والملاحظات على الجسد والروح وأمور حياتية يُجبر الفرد على تحملها ليُدمي الروح ونذر على الجرح ما يزيد الألم.

*

(لم يكمل تعليمه!)

ويعلمون بخساسة العالم وقذارته أنه لم يكن يملك أباً ليعيله، فخرج من المدرسة مكرهاً ليعيل أسرته.

*

(لماذا لم تتزوجي حتى الآن!)

يجلدون روحها وهي الباحثة عن إجابة ولم تجد سبباً مقنعاً حتى الآن ليصفها الجميع بعانس.

*
(كيف ماتت أمك؟)

يعرفون أنه صغير ولا يتسع ذهنه إلا ليستوعب الوحدة، ينظر إليهم ببلادة
يجر الخيبة بين ذراعيه وينكفئ على ذاته.. ويبكي.

*
(في يدكِ جرح!)

في روحي قبر، التهمكم منذ زمنٍ طويل فلماذا تسألون؟

*

نخبئ كثيراً من الألم وبعض الدموع مخافة خروجها من أعماقنا، نحتفظ بها مُقيدة ما إن نشعر بتسربها حتى تكبر لتلتهمنا حاضراً ومستقبلاً، إن رأيت أحدهم ضعيفاً خبئه خلفك وتلقف ما تستطيع احتماله بالفعل والكلمة. فما فائدة إنسانيتك إن كنت فأراً يقضم ويضرم الفوضى!
فلنساعد محبة في المساعدة لا بُغية الفضل ورداً للجميل.

7B875018-CC3F-46B9-A3DE-684F93E0A72B
صفاء الهبل

روائية وكاتبة يمنية، رئيسة مبادرة (كن إيجابيا) للأعمال الخيرية. صدر لها رواية (قدري فراشة).تعرف عن نفسها: مجرد باحثةٍ عن غيمة لتمرغ فيها مرارة الواقع.مصابة بالمسّ. كلما أمطرت رفعت طرف حرفي ورقصت حتى الإنهاك والتعب.

مدونات أخرى