رسالة إلى ولدي... في أول يوم مدرسي له

رسالة إلى ولدي... في أول يوم مدرسي له

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
طه.. خطوت يا ولدي بالأمس خطواتك الأولى نحو هذا العالم، الذي ستكتشفه مع الأيام بأنه ليس بريئا كطفولتك على الإطلاق، ولا يمت إلى ابتسامتك بصلة. انه عالم الأقوياء، البقاء فيه يا ولدي للقوي فقط، صاحب السلطة والمال، لا يهم إن كان صاحب علم ديني أو دنيوي، فالمعيار هنا مصالح الناس لا خلفياتهم..

بدأت بالأمس مرحلة جديدة في حياتك، ستتعرف خلالها على الأحرف الأبجدية باللغات الثلاث، وستكتشف ميزة كل لون عن إخوته من ألوان "قوس قزح"، وسيعلمونك الأعداد أيضا بلغات ثلاث، ستتعلم أكثر فأكثر أن تكون طفلا منضبطا، تأكل في توقيت محدد، وتلعب مع رفاقك في وقت محدد، ستجد أن بعض الأمور التي اعتدت عليها في المنزل مختلفة عما هي عليه في المدرسة، لا تهتم لذلك على الإطلاق، ستتأقلم سريعا لأنك "نشيط" أو هكذا قالت لي معلمتك الجديدة في أول انطباع لها عنك.

فلتعلم يا ولدي أن هذا النشاط هو نعمة من الله فحافظ عليه فيما ينفع، استثمره في ما يفيد، إننا نعاني يا صديقي من تفريط هذا الجيل بهذه النعمة، تراه منغمسا أغلب الأوقات في متابعة الشاشة الإلكترونية، لا يعطي جسده حقه من الرياضة، ولا يدرب عقله على التفكير وإنما يتقن خاصية الاستهلاك، ويتمتع بكل مميزات طالبي الديلفري.. دعك من كل هؤلاء إنها التربية التي تحتاج إلى منظومة متكاملة تبدأ بالبيت مرورا بالشارع وصولا إلى المدرسة.


في خطواتك الأولى، كانت عباراتك التي قلتها لي صادمة، دوّرت زواياها، وأجبتك فيما اعتقدت أنه الجواب اللطيف الخفيف الذي يهدأ من روعك، ويشعرك بالطمأنينة..

أعلم أنك مع الأيام ستسأل كثيرا، وستطلب أجوبة عن كل سؤال، أعدك أني لن أتهرب من أسئلتك إطلاقا، سيكون لك جواب أو أكثر عن كل هاجس أو استفسار، فالصمت يا ولدي يخفي الحقيقة في بعض الأحيان، والإجابة الصادقة الموضوعية تفتح الآفاق لغد أفضل في كل الأحيان، ولو كان وقعها ثقيلا لحظة قولها.

بالأمس عندما تركتك بين زملائك الجدد الذين يأتون من مذاهب مختلفة ومشارب متعددة وثقافات متنوعة، علينا احترامها جميعها، حتى يحترم أصحابها ما نحن عليه وفيه، فمن لا يحترم نفسه يا ولدي ويحترم الآخرين على ما هم عليه لا يمكن أن يكون إنسانا محترما..

عندما تركتك.. شعرت بمدى مسؤولية الأهل وعظمة الحمل الذي يلقى على عاتقهم تجاه أولادهم، وبعد أن استرسلتَ بالبكاء، كطقس تقليدي لمعظم أقرانك في أول يوم يتعرفون فيه على المدرسة، ابتسمت أنا ابتسامة عفوية تبعتها غصة، كتمت بعض الأمور في داخلي، وتابعت عملي، وبعد ساعتين ونصف، عندما انهيت يومك الأول، ذهبت إليك، فسرني ما أنت فيه من فرح، كنت تداعب النمر الصغير بيدك اليمنى، وتجعل البطة الصفراء الكبيرة تمارس فعل السباحة على طاولة خشبية زرقاء اللون، تتخيلها بحيرة صغيرة، أسرعت اليك، ضممتك بشدة، قبلتك كثيرا واطمأننت منك أن يومك كان جميلا، وأنك أحببت الشيء الجديد الذي رحت تكتشفه بحركاتك المعهودة وخفة دمك، وأخذت دور الحكواتي وأنت تسمعني بالتفصيل كيف رقصت على أغنية "يا ليلي يا ليلا.."، ورسمت شمسا وشبه شجرة وقمر، وكيف "عربشت" على "الزحليطة" ذات الحجم الكبير، وركضت و"عبودي" صديقك منذ أيام الحضانة في الملعب..

على أمل ان تستمر طاقتك الإيجابية هذه وأن تبقى محبا للمدرسة في كل مراحلها، وتأكد يا ولدي أنني ساكون معك وإلى جانبك دائما، صديقا صدوقا، ومستشارا أمينا، وناصحا وموجها.

ابدأ خطواتك بثبات وثقة، ولتكن شجاعا وجريئا ومقداما، وصاحب نخوة، فهي صفات نفتقدها اليوم يا ولدي، ويتراجع حضورها في مقابل تقدم صفات أشد هلاكا على المجتمع وأبنائه.

بارك الله خطواتك الأولى، وحماك من كل شر، وحفظك وسدد خطاك لما فيه الخير دائما.

دلالات

BFED0B9D-3366-4995-8342-D21526EECDAE
مصطفى العويك

مجاز في الحقوق من الجامعة اللبنانية، محام منتسب إلى نقابة المحامين في طرابلس - لبنان، وصحافي منذ أكثر من 8 سنوات، عملت في صحيفة النهار وموقع المدن الإلكتروني وكتبت في العديد من المواقع الإخبارية.