رجال في الشمس... المأساة لم تنتهِ

رجال في الشمس... المأساة لم تنتهِ

09 أكتوبر 2018
+ الخط -
"رجال في الشمس" رواية للأديب والروائي العربي الفلسطيني غسّان كنفاني صدرت في عام 1963، وكتبها ليصف معاناة الكثير من الفلسطينيين الذين أجبرتهم الظروف المحيطة بهم على الرحيل عن بلداتهم وقراهم، لتأمين حياة أفضل لهم ولعائلاتهم، فحملت الرواية في صفحاتها ملامح الهجرة عن الوطن بجميع التفاصيل المرافقة لها، منذ بدايتها حتى نهايتها، وقصة كلّ مهاجر عن منزله وأهله وأرضه، كما أضاءت على ظروف ومصائر المهاجرين والنازحين عن أوطانهم رغمًا عنهم، والمرغمين على الهرب من موت إلى موت.

تروي رواية "رجال في الشمس" رحلة ثلاثة رجال أرغموا على الهجرة من فلسطين هروبًا من الأحوال المعيشية التي واجهتهم، فيختارون مرغمين السفر غير القانوني -التهريب عبر الحدود- الذي يكون نقطة اللقاء التي تجمع بينهم، فيتّخذون طريق هربهم نحو الكويت التي ستوفّر لهم الأمان والمال والحياة المستقرة، وأبطال الرواية هم: "أبو قيس" رجل مسن يريد إيجاد حياة جديدة بعيدًا عن حياته في المخيم، "وأسعد" شاب يطمح بأن يحصل على الكثير من المال، "ومروان" فتى في مقتبل العمر يجد نفسه مرغمًا على ترك المدرسة وإعالة عائلته وتوفير حياة كريمة لهم.


يتكبّد أبطال الرواية الثلاثة الكثير من المعاناة لتحقيق حلمهم المشترك في الوصول والسفر إلى دولة الكويت، والذي يشغلهم عن التفكير بنهاية طريقهم، ويكون الهروب عبر الحدود بين العراق والكويت هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك الحلم، فيرغمون على التعامل مع المهربين والرضوخ لطلباتهم ودفع المال لهم، وتظهر في الرواية شخصية "أبو الخيزران" وهو سائق سيارة نقل ماء، أراد تهريبهم مقابل أخذه مبالغ مالية منهم أقل من تلك التي طلبها المهربون الآخرون، ولكن اشترط عليهم الاختباء في خزان سيارته الفارغ قبل الوصول لكلّ مركز تفتيش حدودي، على أن يخرجوا من الخزان بعد تجاوز المركز، ولكنهم لم يدركوا المصير الذي يتحين الفرصة للانقضاض عليهم.

ينشغل أبو الخيزران بحديث طويل مع موظف في المركز الحدودي، ويتأخر في العودة إلى الرجال المنتظرين داخل خزان الماء الفارغ بعد أن وعدهم بعدم الغياب عنهم لأكثر من سبع دقائق، ليموتوا بسبب ارتفاع الحرارة وانعدام الهواء، وعند اكتشافه لموتهم يدور في رأسه سؤال واحد فقط، وهو "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟"

إن مأساة رواية "رجال في الشمس" لم تنتهِ في الواقع، بل ما زالت رياحها تهب بقوّة، فالأحوال العاصفة في سورية واليمن حملت معها قصصًا مشابهة لقصة نزوح أبطال الرواية، ففي كل يوم نسمع ونقرأ ونشاهد أخبارًا عن كثير من حالات النزوح واللجوء لأشخاص يهربون من وحش الحرب الذي فتك ببلادهم، فيتشابهون مع أبطال الرواية باضطرارهم قبول ابتزاز المهربين واستغلالهم لحاجتهم إلى البحث عن الأمان لهم ولعائلاتهم، كما تتنوّع في رحلة نزوحهم المآسي والقصص التي لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها أو معرفة نهاياتها.

استخدم غسّان كنفاني في رواية "رجال في الشمس" المأساة الفلسطينية لتكون مثالًا حيًا وواقعيًا عن رحلة النزوح واللجوء، ولكن لم يتوقع كنفاني بعد مرور نصف قرن على كتابة الرواية ونشرها أن هذه المأساة ستنتقل إلى دول عربية أخرى، كسورية واليمن، اللتان يواجه سُكّانهما ظروفًا قاسية جدًا تجبرهم على الرحيل، ولا تترك لهم أي بريق أمل للبقاء، بعد فقدانهم منازلهم وأفراد من عائلاتهم، وغياب صورة واضحة عن مستقبلهم الذي يظلّ مجهول الملامح، ولو تمكّنوا من العودة إلى أوطانهم بعد مرور السنوات عندما تضع الحرب أوزارها، فهل سيجدون منازلهم مثلما كانت في الماضي؟ وهل سيعود الراحلون من أهلهم وجيرانهم وأصدقائهم على قيد الحياة؟ ستظلّ هذه الأسئلة عالقة برسم الحصول على إجابات في يومٍ ما.