عن الإعلام المصري وأشباهه... في يوم اللغة

عن الإعلام المصري وأشباهه... في يوم اللغة

09 يناير 2018
+ الخط -


من عجائب زمن الأنظمة العربية الحالي كشفه بوضوح أن منظوماته، على مستويات عديدة، تتحكم بها خيوط نهج حكم سياسي، يرى في قيمة البشر؛ حتى لو لم يكونوا من رعيته، ما يتساوى وقيمة القابلين خنوعاً عند بلاط مستشاريه.

زمن أبى أن يودع عامه السابع عشر في الألفية الجديدة بدون تذكيرنا، بسطوع نخب مزيفة، بحاجة ماسة إلى مراجعة مفرداتنا القميئة؛ في لغة المصالح، أو الانتهازية الفكرية لإخضاع العقل وتشكيله بما تريد النخب المتسلطة.

نخب ترى دورها في السعي إلى فرض سطوة ثقافة مجتمعية ترى في "الأخ العربي"، هذا إن لم نحتسب تنظيرات "أخوية" أوسع؛ أممية في جانب، ودينية في الأغلب، مجرد "عبد" استحق تركيز خيوط التقنيات الجديدة، ومنها تويتر، وغيرها من المنصات، لنشر آفة التشويه والتشرذم.

في عكس هبوط اللغة، اختلافاً على موقف ما؛ ما لم يرتبط بلون بشرة أو انتماء عرقي وعنصري، ثمة خيارات واسعة وكثيرة في جمالية اللغة المتفاخر بها، بعيداً عن انحطاط استخدامات من يطلق عليهم "النخب"، دونما نفخ لغبار تراكم على أسوأ مفرداتها.


ليس الوقت لطلب، يبدو حالماً وترِفاً، إعادة النظر بثقافتنا، وشعرنا؛ وليس أقله تنقيح من كذبة ترى في الذات مركزاً الأقوام، بينما البوصلة لهث لرضا الآخر، ولكل مرحلة "آخرها".

لكن، وحال الترامبية أصبح نموذجياً لبعض العرب، العاشقين لما عند بعض غيرنا من رعونة وعجرفة واستعلاء، فنحن في زمن بلوغ الفجور، باختلاف مراحله، بالأخص العائد بنا إلى أزمنة مراهقة وصبيانية ظننا يوماً أنها تجاوزتنا.. نكتفي بأمل الوعي.

فماذا يعني أن يقول بيان رسمي: إحدى الدول، أو دولة مجاورة، وليس حتى جارة؟ أهو تجهيل صبياني؟ أم فجور لغوي وثقافي في تجهيل "الأخ العربي...الخليجي؟"... فيما هذه الصبيانية لا تصيب دولة الاحتلال الصهيوني، بل يُتسابق لتسويقها عربياً، حتى في بيروت.. على لسان حليف الممانعة "باسيل".

كشفت التسريبات الأخيرة، في نيويورك تايمز، وكتاب "نار وغضب"، ترامبية، ممتدة من الرياض وجدة وأبوظبي إلى القاهرة، عن أنه ثمة عنوان واحد للغة حالة السقوط المريع، واسعة المفردات وضيقة الحيلة، في يومياتنا العربية.

فحين يصير أمثال عزمي مجاهد وأحمد موسى وخالد صلاح ومحمد صبحي وأحمد آدم ويسرا ويوسف زيدان والصامت إبراهيم عيسى، ومثله مصطفى بكري، الذي بات مخبراً علنياً، وبقية رهط الهبوط في الشتائم والتهيؤات واختراع خراريف وروايات، وبعضها يتشبه بما ساقه نظام بشار عن بواخر ألمانيا الحديثة لطلبة جامعيين مقهقهين كنخبة تدل على نخر الفساد للعقل على لسان طالب إبراهيم وغيره، عن قائد الأسطول السادس في بحر إسكندرية في مصر، واستحضار أدوات التزييف كلها إلى استوديوهات "الإعلام"، من عظام "حمير" في دمشق، إلى البط والمياه وغيره في "مدينة الإنتاج" في القاهرة، فنحن أمام كارثة حقيقية يخشى من توريثها للأجيال بمزيد من الانحدار.

فهل يليق، على سبيل المثال لا الحصر، أن يُخاطب إنسان، بما قيل لأهل السودان، بهذه العنصرية؟ التي بالأصل الخوض فيها فيه تفكيك وتحطيم لمجتمعات تهيؤات ممارسي العنجهية والاستعلائية بنفسها عن "النقاء العرقي... والطهارة"، بما يطاول مكوناتها، وبالتالي تفكيك أركان وضوابط التخاطب، حتى القرآني، نسفاً لكل قيمة عربية.

واقع حال البعض محزن، ومخزٍ، ومؤلم، ومقرف، وعار، باستعارة مدلولات يخشى أكثر عنصريي الغرب استخدامها، على الأقل في زمن شيوع قانون الملاحقة القضائية، أو بتفعيل ضوابط ذاتية، تستند إلى ثقافة مجتمعية تراجعت عن لغة العبودية والاسترقاق.. والإقلاع عن التمركز العرقي أو الاثنوسنتريزم.

لا ريب أن السعي "النخبوي" إلى بلاط الحكام، من الرياضي إلى السياسي والفني والثقافي وحتى الديني، لنيل الرضا بات، بتبجحه ووقاحته، مدمراً حتى لشعار "الأمة" وأخيارها. وحتى في أسواق الشعارات عن التسامح و"الدين السمح" لم يعد من يشتريها عند أكثر المستهدفين، وبعضهم قد دخل في مرحلة مراجعة للثقافة واللغة، كحال السويد منذ أعوام، وبمخاض عسير ومؤلم يطاول أفضل الأدباء، مثل تنقيح أعمال استريد ليندغرين في أدب الأطفال، خصوصاً "بيبي ذات الجورب الطويل"، في كل إشارة إلى "نيغر" أو لون بشرة هذا وذاك.

يبدو أنه لم يختر البعض عبثاً إسقاط كل عقده، من مركب الدونية إلى ذهان العظمة، نبشاً لوضعها في سياق غير ذي الذي كان، لمخاطبة عربي آخر، أو أي إنسان بالمطلق.

لكن هل حقاً هذه هي الأمة التي استهدفت بإتمام "مكارم الأخلاق؟" أم أن هؤلاء يفهمون "الأخلاق" بما لا يفهمه الأسلاف؟

ويتذكر بعضهم هجاء أبو الطيب المتنبي لكافور، وينسون "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وأن الأخلاق ليست كلمات تلقى بممارسة نقائضها، بكل كوارث توريث النقائض، جيلاً بعد جيل.

نعم، ثمة حاجة لثورة يخوض فيها العرب، ليحرك بعضهم ما تراكم من نقائض مدمرة، بنتائج تطل برأسها.. فهل من يذكر بعضنا أيضاً:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا

بل ماذا لو تذكر بعض "عرب التويتر": يَعيشُ المرءُ ما استحيا بخيْرٍ.. ويبقى العودُ ما بقيَ اللَّحاء، بل ربما أفاد بعضهم اختصار الشافعي لواقعهم الصبياني: أرى الغر في الدنيا إذا كان فاضلا.. ترقى على روس الرجال ويخطبُ.