ما الرابط بين الشعر المنظوم والشعر المنكوش؟

ما الرابط بين الشعر المنظوم والشعر المنكوش؟

03 يوليو 2017
+ الخط -
هل حدث أن قرأتَ شعراً وأعجبكَ لكنكَ كرهته ما إن شاهدت كاتبه يلقيه أمامك؟ هذا ما حدث معي مؤخراً!

أعجبت بشعر لأحدهم، وكان ساحراً.. عميقاً.. وقلت: كم هي راقية هذه الكلمات؟ وكم هادئ ومتزن هذا الذي كتبها؟ ليتني ألتقي بمن كتب هذا السحر، إنه لا بد شخص مختلف! ولا يشبهنا!

إلى أن وجدت صفحة هذا الشاعر على "فيسبوك"، وهرولت أصابعي لتضع إعجاباً على صفحة هذا القديس الأدبي، إلا أنني فوجئت به يلقي كل فترة قصيدة عبر حسابه هذا بطريقة "اللايف"! حيث يبث مقطع فيديو بشكل مباشر ويلقي من كتاباته على متابعيه، وليتني لم أشاهده.. ليتني لم أتابعه أصلاً.

لقد تحول هذا القديس في نظري إلى كائن أشعث غريب الأطوار، قالت لي زوجتي: "لا تبتئس! كل الشعراء مخبولون". لكنه كان أكثر من ذلك، لقد تحطم كل الاتزان الذي شعرته في كلماته، وانهارت كل التصورات التي رسمتها له.

حتى القصيدة التي عرّفتني بهذا "الأهبل" رأيته يلقيها في فيديوهاته الساحرة هذه ويحرك يديه وينغّم كلماته ليقنع متابعيه بأنه يَشعر، انتبه عزيزي المشاهد! الشاعر الآن يحاول الاستشعار.. إنه يقوم بالتزامن مع السماء وأجهزة عاطفية أخرى! و"يتجعلك" مع وحي الشعر على الهواء مباشرة.. لا تفوتوا هذه المشاهد التي لا تحدث غالباً.

بجانبه عازف عود، يدندن له بعض المعزوفات علها تلطف للمتابعين الجو، وتبعدهم عن رؤية "المتخلوع" الذي يستشعر أمامهم، ويحاول الانسجام مع الشاعر الذي بجانبه، دون جدوى، وفي الوسط.. تتربع مغنية! وجبة فنية دسمة تتأطر في هذا الفيديو المتواضع وكلٌّ يدلي بدلو فنه، وكل يحاول إقناعنا بأنه مبدع.. دون جدوى. 

لا أعلم لماذا على الشعراء مؤخراً أن "ينكشوا" شعورهم، ويتبهدل منظرهم ليثبتوا أنهم شعراء، ولا أعلم لماذا على المثقفين أن يكونوا "مهابيل" دائماً ليثبتوا أن لهم رؤية خاصة، وأن لهم أفقاً ينظرون إليه لا يشبه أبداً الأفق الذي نراه نحن العوام.

لا أفهم لغة الشعراء المنغمة هذه حين يتلون شعرهم، لا أفهم لماذا "يتجعلكون"؟ فأنا أذكر الشاعر الراحل، محمود درويش، حين كان يلقي شعره، كان كالنبي لديه من الوحي في جعبته ما هو كفيل بتثبيتنا لأيام دون حراك مشدوهين بحكمة كلماته وعمقها، ولا أزال من متذوقي شعر تميم البرغوثي ذي الصوت الحاد الذي يضعك في قلب الحرف من دقة الوصف وسلامة النطق واتزان المقال.

أعلم أنها اختلافات إنسانية طبيعية، وهي أطباع كل فرد بمفرده، لكن هذه الأطباع ذاهبة لتكون سنة للمثقفين، وسمة خاصة لكل من أراد التفكير.

أرجوكم احترموا عمق تفكيركم واحترمونا كمعجبين بفنكم، وكراغبين بأفكاركم، ولا تستهزئوا بنا، ولا تحسبوا أننا لا نقوى على الحكم عليكم، ولا تخافوا على فكركم، فنحن قادرون على تمييز عظمته.. دون أن نشاهد ونتحسس هبلكم هذا..

074C0853-666C-4C08-B790-7BB0EE69C856
نور عجوم

كاتب صحافي... بدأت بالعمل الصحفي في سوريا ثم تابعت في عدد من الصحف الهولندية.