كيس ملاكمة

كيس ملاكمة

31 مارس 2017
+ الخط -
تدخُل صالة تدريب الملاكمة فتصفعك رائحة الخنوع، رائحة كما تريد ومثلما تشاء، المهم أن تنفث غيظك وتستعد للمواجهة، فالأكياس الحبلى بالرمل مدلاّة من السقف رأساً على عقب. الهدف المعلن الإسهام في ترسيخ المهارات الحركية، والالتفاف حول الخصم، وربما تقوية اللكمة وضربات القدم وغيرها من المجاميع العضلية العامة، تفادياً للاحتمال الأسوأ في المقابلة القادمة. وأهداف غير معلنة قد تتعلق بتفريغ شحنة أو فشّة خلق. لطالما امتاز الكيس بالغيرية، يتلقّى الضربات برضى وصبر، ولعلَّ في ذلك عظمته التي تتجلى في إدراكه وفهمه لطبيعة دوره.

لم أجد في بحثي أصلاً وتأريخاً لكيس الملاكمة، ربما لأن الأصالة خارج الحسابات، وكل ما عرفته أن الملاكمة لعبة شائعة في اليونان القديمة، بل وذُكرت مراراً في أساطيرهم، فرياضيوها البارزون كانوا محترمين كالآلهة، وظلت هكذا إلى أن قُوننت ودخلت رسمياً في الألعاب الأولمبية عام 688 قبل الميلاد.

شروط اللعبة لم تختلف كثيراً ما دام ملاكم يواجه ملاكماً، رغم ما طرأ على القفازات من تعديل وعلى الأمكنة من تحديد وعلى الأزمنة من تأطير.

إلا أن ثمة تشابهات بين الملاكمة في عصر روما وملاكمة كيس الرمل، فكلاهما بلا زمن محدد وكلاهما للتسلية والترفيه وفشّ الخلق، مع الاحتفاظ بميّزات خاصة للمواجهة مع كيس الرمل، لم تعرفها الملاكمة القديمة التي صارت فيها قبضات الملاكمين مادة دموية لتسلية الحكام أو تخلصهم من حسّادهم، فاللعب مع كيس الرمل، وإضافة إلى زمن المباراة المفتوح والسماح بالضرب تحت الحزام، لك أن تنهي اللعبة متى شئت، متى تعبت، متى شعرت بالتحسُّن وانصرف عنك الغيظ.

وربما لم تعرف الملاكمة عبر مراحل تطورها أن يستمر الضرب بعد استسلام الخصم ورمي المنشفة داخل الحلبة، أو موته بحسب الرومان واليونان، لأن الضرب بالميت حرام، إلا في حالة خصومة الكيس، فهنا تسقط شروط اللعبة. ولعل الفتاوى بأن ضرب الميت حرام ليست قطعية.
رائحة خوف الكيس التي تزكم الأنوف وتثير الإقياء تنعكس نفعاً على الملاكم، من قبيل مصائب قوم...، فالصمود الذي يوهمه للملاكم إنما يكسبه الصبر والتصميم، ففاقد الإحساس، أي الكيس، يمنح الملاكم شعوراً بأنه لا يُهزَم مهما ضُرِب، فالسقوط هنا أمنية الملاكم مهما التفّ حول الكيس، ومهما أفرغ عبر قبضتيه من حقد ومهارة وخوف من المواجهة التالية.

العلاقة بين الملاكم وكيس الرمل تثير الاستغراب، فالملاكم يشتري الكيس كي يضربه، الملاكم يضرب الكيس ليقوى ويتطور ويحسّن صفاته البدنية، ولا شيء للكيس سوى التأرجح والانتظار، إذ حتى الإيهام بالرد كما هي الحالة في وسائل التدريب الأخرى كالمصد والوسائد، أي ارتداد ما بعد الضربة، محرم على كيس الرمل.

إلا أنه، أو هكذا يجب، مع استمرار الضرب وفي غفلة من التهاء الملاكم وطمأنينته لذلك الكيس، يبدأ الأخير بالاهتراء ما يعني ضرورة استبداله لأنه فقد أهم ميزاته ومبرر السكوت على تدليه من الأعلى، لأن في الاهتراء تقليل من متعة الملاكم وربما عدم القدرة على احتمال اللكمات، ما يعني عدم تفريغ الشحنات وربما الاستسهال بالمواجهة القادمة، أو ربما في الاهتراء فقدان لاحترام الملاكم وإقناعه بأنه يضرب منافسه على البطولة.

لذا قد لا يكون من بد لإنزال الكيس إلى الأرض، ليس لأن في ذلك سنّة الحياة، بل لضرورة تبديله بكيس آخر، كي يحافظ الملاكم على لياقته البدنية وقوته الجسدية لمواجهة أي خصم يفرضه الوزن، وإن بشروط تمنع الضرب تحت الحزام.

دلالات