الزعيم.... أول مسؤول سوري يقتله بشار الأسد

الزعيم.... أول مسؤول سوري يقتله بشار الأسد

01 مارس 2017
+ الخط -

قتل بشار الأسد قبل عصام الزعيم مسؤولين أمنيين كباراً، ربما أبرزهم العميد محمد سليمان، كما قتل بعده اللواء آصف شوكت، لكن مسؤولين حكوميين، ومنذ قتل الأب حافظ الأسد لرئيس الوزراء محمود الزعبي، لم تشهد الحكومات المتعاقبة مقتلاً لأحد أعضائها، حتى قتل الابن بشار الأسد، وزير الصناعة الأشهر بتاريخ سورية ورئيس هيئة تخطيط الدولة قبلها، عصام الزعيم.

قتلوه كمداً وقهراً بعد أن جاء لسورية مغرراً به ليقدم الخطة الخمسية العاشرة ويقدم مشروع 2020، ويحاول أن ينهض بقاطرة التنمية السورية، حتى دخل بالممنوع وأشار إلى آل الأسد.

لم يكن 14/12/2007 يوم مقتل عصام الزعيم، بقدر ما كان بداية لمرحلة، وتأريخاً لبداية أخرى، إذ نفض جلّ السوريين، في ذلك اليوم، يدَهم من أي أمل يعوّل على بشار الأسد، بعد ما قاله خلال حملات التطوير والتحديث والاعتماد على الكفاءات وطرد ما ورّثه لهم أبوه مع الكرسي، ممن كانوا يسمون وقتذاك، الحرس القديم.

فمقتل عصام الزعيم، ذي الشعبية الأكبر لمسؤول حكومي سوري، ربما بالعصر الحديث، جعل كل من انطلت عليه خدعة الأسد الابن، يتلمس على رأسه ويلجم لسانه عن قول الحقيقة، بعد أن حوّلت جرأة الزعيم على آل الأسد إلى مبدد للمال العام ومن ثم أقالته من وزارة الصناعة، قبل أن يخضع للتحقيق وكأنه من باع الجولان ولواء اسكندرون وورّث السوريين الذل والفقر والهوان.

وقصة الوزير عصام الزعيم باختصار، أنه تطاول على مزرعة آل الأسد وأراد إنصاف الشركة الألمانية التي بنت وجهزت معمل غزل جبلة للنسيج، ولم تنصع شركة (بيكو تريدينغ) لمساومة  سامر كمال الأسد مدير الشركة، وإعطائه نسبة من قيمة عقد توسعة وتجهيز الشركة، مما دفع بالحكومة السورية - أجل قرار حكومة - لإصدار قرار بالحجز على الكفالة  "نسبة مائوية من قيمة العقد لضمان التنفيذ ضمن الفترة والشروط العقدية"، ولم يتجرأ وزراء الصناعة على فتح الملف وتحرير الكفالة للشركة الألمانية، التي لم تخلّ بشرطي المدة والمواصفة.

حتى جاء وزير الصناعة، المرحوم عصام الزعيم، وأصدر قراراً بتشكيل لجنة لدراسة أحقية شركة "بيكو تريدينغ" الألمانية بالكفالة المحجوزة لدى المصرف التجاري حتى اليوم، ورأت اللجنة أن لا سبب في تأخير توسعة وتجهيز معمل عزل جبلة يقع على عاتق الشركة الألمانية، لأن الشركة نبهت أثناء مراحل التنفيذ إلى الإعاقة المتعمدة ووجود مواقع عسكرية لا يمكنها التحكم بها، وأكدت أن سبب الحجز يكمن في عدم دفعها رشى للأستاذ سامر الأسد المحترم.

ولأن الدكتور الزعيم تجرأ على التدخل في أرزاق أصحاب المزرعة المسماة مجازاً "سورية الأسد"، حجز على أمواله وأموال معاونه بركات شاهين ومدير المؤسسة النسيجية سمير رمان، وبدأت القضية تأخذ طابع قضية رأي عام.


أذكر أني عايشت القضية، بل وكنت شاهداً على لقاء السفير الألماني مع معاون وزير الصناعة شاهين وقتذاك، وحاولت عبر غير طريقة، إنصاف الوزير الزعيم، وقلت خلال لقائي والرئيس الأسد، بعض حيثيات القضية، وأذكر أنه سألني مستغرباً، هل أنت متأكد، فقلت أنا الشاهد الوحيد، لأني حضرت لقاء السفير الألماني في وزارة الصناعة ولم يك الدكتور الزعيم حاضراً، بل كان خارج القطر. وأذكر أن الرئيس الوريث قال لي: "إن كان هذا الكلام صحيحاً يا عدنان، فغداً سيُبرأ عصام الزعيم".

المهم تمّ صرف معاون الوزير شاهين ومدير المؤسسة رمان من وظيفتيهما، وتمت تسوية الموضوع إلى أجل غير مسمى، لكنه فتح ثانية ليكون مقتلاً للزعيم، لأني أذكر أن آخر لقاء جمعني بالمرحوم الوزير، قبيل وفاته بيومين، قال وهو بحالة جسدية ونفسية يرثى لهما، لقد حركوا القضية وسيحاكمونني يا عدنان.

وجريمة عصام الزعيم وحكاية الكفالة التي يذكرها السوريون جيداً، وبخاصة أنه تبعتها حملة تشويه مخطط لها من إعلام الأسد، لكل من الزعيم ومعاونه ومدير المؤسسة النسيجية، تتلخص بأن الحكومة السورية أوكلت بناء وتجهيز معمل غزل جبلة  لشركة "بيكو الألمانية" بكلفة، على ما أذكر، 330 مليون مارك ألماني، "نتكلم قبل عام 2000 وقبل العملة الأوروبية الموحدة" ومعروف للمتخصصين، أن ثمة مبلغاً يقتطع من الكلفة الإجمالية ويبقى كضمان على حسن التنفيذ وتوقيت التسليم، ويسمى "كفالة"، وأذكر أن مقداره بهذه المناقصة كان 33 مليون مارك ألماني.

وفعلاً بدأت الشركة الألمانية بالبناء والتجهيز، لكن تشكيلاً عسكرياً، أو ما تبقى منه، كان ضمن المساحة المتفق على بنائها، وحتى يستمر بسورية الصمود والتصدي، فأنت بحاجة لأوراق وقرارات وأضابير وتواقيع وأختام، ما أدى، لتأخر الشركة الألمانية بتنفيذ العقد عن الزمن المحدد، رغم أنني ممن قرأ الملف وقتذاك، ووجدت مدى وحجم الإلحاح الذي وصل حدود التوسل من الشركة الألمانية لتأمين مستلزمات تنفيذ العقد.

المهم، وجد الطرف السوري فرصة في التأخير لحجز تلك الكفالة، وبقيت محجوزة رغم تعاقب ثلاثة وزراء صناعة، فكلما همّ أحدهم بفتح الملف، يصطدم وُيصدم بأن الأستاذ سامر بن الأستاذ كمال بن عم الأستاذ بشار وراء الموضوع، فيصمت ويؤجل ويتعذر للطرف الألماني الذي يلح لحصوله على حقه.

وبقي أمر كفالة "بيكو" معلقاً ويسيء للطرف السوري الذي أذكر مرة عدم تقدم أي شركة خارجية لتجهيز لوحة إلكترونية لملعب في مدينة حلب، حتى جاء عصام الزعيم من وزارة التخطيط إلى الصناعة، وعرف بالأمر والتقى الجانب الألماني -عدا الاجتماع مع السفير الذي لم يحضره كما أشرت سابقاً- فأوعز بحل الموضوع والإفراج عن الكفالة إن كانت من حق الألمان، وهذه هي جريمة الزعيم وشاهين ورمان، التي حرفها كثيرون واستغلها متربصون وأوصلوا الأمر إلى "تبديد المال العام" وربما الخيانة العظمى.

نهاية القول: لماذا عصام الزعيم اليوم وتقليب أوجاع ربما بدأ ينسى آلامَها السوريون؟

بصدق لا أعرف لماذا؟

ربما لأن المعارضة السورية تفتقر إلى قامة كاريزمية كما الزعيم، أو ربما لأن بشار الأسد بعد مقتلة الوزير، وجد في القتل حلاً لكل من يخالفه الرأي أو يكشف عورات آله وصحبه، وربما لأن جلّ السوريين استشعروا، منذ ذاك، باللاأمل بعد أن خُدعوا برئيس الغفلة...أو ربما لكل تلك الأسباب مجتمعة.