تركيا وإيران… الحرب الباردة

تركيا وإيران… الحرب الباردة

27 فبراير 2017
+ الخط -
نشر مركز "بروكنجز الدوحة"، قبل عامين، ورقةً بحثيّة بعنوان "ما وراء الطائفية الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط". ولخَّصت الورقة، أنَّ قطبي هذه الحرب هما إيران والسعودية. في تلك الفترة، كانت الحرب في سورية على أشدها، وكانت بداية التدخل المُعلن من قبل إيران في سورية.

يرى الكاتب في هذه الورقة، أن الحرب التي تجري في سورية ليست طائفية، وإنما حرب صراع نفوذ بين السعودية وإيران على بقية الدول الإسلامية المُترهّلة بالحروب الداخلية. وتحولت سوريّة، بدورها، إلى ساحة صراع بين السعودية وإيران.

وأما الغطاء الطائفي، فهو مجرد وقود لهذه الحرب،استخدِم من قِبل الطرفين لتجنيد مقاتلين. وقد أشار الكاتب إلى نقطة مهمة جداً، وهي فشل السعودية في الذهاب بعيداً في هذه المعركة. وكانت هذه الأسباب، وفق رؤية الكاتب، وقوف السعودية بقيادة الملك الراحل، عبدالله، في وجه التغيير الذي حصل في مصر، ودعم الجيش المصري للإطاحة بمرسي، وأيضاً تصنيف جماعة الأخوان المُسلمين منظمة إرهابية.
أعتقدُ بأن هذه العوامل هي التي أطالت عُمر الصراع في سورية، بحكم أن السعودية لن تدعم الأخوان المُسلمين بوصفهم منظمة إرهابية، وكانت هي القوة الأبرز في حينها، بل كانت عماد الثورة المسلحة قبل التشظّي الذي أصابها. وهذا ما جعل إيران تقرأ المشهد جيداً، وتعمل على استثمار فرصة غياب السعودية، وزجت بكل مليشياتها العقدية التي جندتها لأجل مشروعها في الحرب السورية.

لكن، تراجع دور السعودية في الصراع السوري بفقدانها مجموعات مسلحة موثوقة، وبديلة للأخوان المُسلمين لكي تدعمها، جعل دو تركيا يبرز بقوّة في المشهد السوري من خلال احتضان جماعة الأخوان المُسلمين، وتوفير حيّز سياسي لهم، وللجماعات السوريّة المسلّحة. وعملت تركيا، مؤخّرًا، على تشكيل قوّة مسلّحة قامت بتحرير مدينة الباب الحدودية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة. 
في هذه اللحظة، تحوَّل المشروع الطائفي الذي كان يصوّره الإعلام بين السعودية وإيران، إلى صراع بين إيران من جهة، وتركيا من جهةٍ أخرى في الأرض السورية. صراعٌ صامت حال دون المواجهة المباشرة بين البلدين. في تلك الفترة، ثمة قطيعة حصلت بين السعودية، ومجموعة من دول الخليج منها قطر، وسُحِب السُّفراء السعوديون من قطر. 
 بعد رحيل الملك عبدالله، واستلام الملك سلمان مقاليد الحُكم، ذاب جبل الجليد الذي كان يفصل بين المملكة وقطر، بسبب جديّة الخطر الإيراني، وأهميّة الحاجة إلى عمل عربي مشترك. ما جعل قطر تعلب دوراً سياسياً محوريّاً لتطبيع العلاقات بين تركيا والسعودية. وفي هذه الفترة، عادت السعودية إلى المشهد السوري، لكن من دون نفوذ حقيقي على الأرض. وقامت السعودية برعاية اجتماع الرياض الذي جمع المعارضة السورية، وأخرج جسماً سياسياً للتفاوض.
 
إن عودة السعودية إلى المشهد السوري مع تحالف تركي قطري، يُؤرِّق إيران جداً هذه الفترة، ما جعل السياسيين الإيرانيين يجلسون على صفيح ساخن من الأحداث المتلاحقة.
وتزيدُ سخونةَ الأحداث، الجولةُ الخليجية التي قام بها أردوغان ابتداءً من البحرين، وهذه فيها رسالة مبطنة لإيران، ثم السعودية، لتنسيق الجهود، وأخيراً قطر الحليف الاستراتيجي لتركيا. هذه الزيارات التي قام بها أردوغان، جعلت إيران في حالة قلق واضح على مستقبلها في سورية، خصوصاً أن تركيا تتمتّع بعلاقات جيدة هذه الأيام مع روسيا، الحليف الميداني لإيران في سورية. وهذا ما دفع روحاني للقيام بجولة في ذات المنطقة الخليجية، بداية من الكويت، ثم عُمان. وهذا ما يجعل الصراع البارد بين تركيا وحلفائها الخليجيين من جهة، وإيران من جهةٍ أخرى، يشتد. 
إن الزيارات التركية والإيرانية للخليج، ستنعكِسُ على الصراع السوري لا محال. هُنالك رؤيتان لقراءتها. الأولى، إيجابية، إذ ستقوم بدفع الأطراف من قبل الجهتين التركية والإيرانية، إلى مُؤتمر أستانة للخروج برؤية مشتركة، والتحضير بها لاجتماع جنيف. الثانية، سلبية، وتكون بتصلب الرؤيتين تجاه الحل السياسي، والتوجه إلى ميدان المعركة داخل سورية.

يبدو أنَّ الاحتمال الأخير هو الأقرب، خصوصاً بعد التعمُّق التركي داخل سورية وصولاً إلى مدينة الباب، ودخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، له رؤية مختلفة عن سلفه للحل في سورية، وخصوصاً بعد طرحه مشروع المنطقة الآمنة التي كانت تنادي بها تركيا.  
7F2491E6-9489-4B9B-861A-F076EE620D0D
أحمد حسن كرار

طالب جامعي ومدون وكاتب سوداني. يقول: "لا أعتقد أنَّ كلّ ما يُقالُ صحيح بما فيهم رأيي، والمؤكّد عندي أن لا توجد حقيقة قطعية، كل الحقائق نسبية وقابلة أن تكـون غير حقيقة ".