كشف المخازي... عن فلسطينيي العراق و"الممانعين الجدد"

كشف المخازي... عن فلسطينيي العراق و"الممانعين الجدد"

24 ديسمبر 2017
+ الخط -
كتب الزميل الأستاذ عثمان المختار، يوم الخميس الماضي، تقريراً في موقع "العربي الجديد" بعنوان: "العراق يجرّد الفلسطينيين المقيمين لديه من جميع الحقوق والامتيازات".

التقرير يستند إلى توثيق واضح لتكريس حكومة بغداد نتائج واقع الهيجان المليشياوي الممتد منذ 2003 بملاحقة الفلسطينيين، حتى ضاقت وغصّت حدود وحنجرة صراخ "الممانعة" السورية ببعضهم في مخيم التنف، فوصلوا إلى البرازيل وتشيلي.

في عامي 2016 و2017 شهد لبنان أيضاً ما يشبه "عدوى هستيريا" لدى بعضهم بإطلاق عنان العنصرية مع كل رشفة عرق وتفلسف عن "الحريات". المشهد الرحباني هنا واقعاً أصيلاً، مع توديع عام سابع عشر من ألفية "معايرة" الفلسطيني بأنه "مجرد لاجئ.. مشرد". وتلك منادح عربية تطارد حتى الشقيق السوري، كي يصل إلى أبعد من القطب الشمالي بقليل. لنستريح منه.

في الحالتين تقفز الأسئلة الإنسانية، بعيداً عن حذلقة الواقعية وشعري الممانعة والمقاومة، والثالثة والرابعة لا وقت لذكرهما في أقبية "جمهورية مطار القاهرة ومعبر العار في رفح"، ولا في ربطة خبز قناص عار الممانعة في اليرموك المهجر، وباقي مخيمات البؤس والقتل، لتهجير الفلسطينيين من "قلب العروبة النابض". بشعار لاحق "لا عرب ولا عربان فلتحيا إيران" في "عرين الأسد".


لنفترض أن الأستاذ عثمان المختار مقيم بيننا في الغرب. وقدّم تقريره بوثيقة وتصريحات رسمية، في اسكندنافيا أو المملكة المتحدة أو برلين وغيرها، للتصويت على نزع "الحقوق" عن اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين. ترى هل يمكن أن نتخيّل التوابع القانونية والسياسية والمجتمعية في ذات الغرب، المسمى "كافراً" لدى بعضهم؟

المذهل حقاً أن صديقي إلياس يسأل منذ سنوات: ما الفارق بين العربي الفلسطيني في لبنان والأخ الأرمني اللبناني؟ وهو بنفسه يجيب: فالأول مشبوه، باستثناء من وجدناه "ممتازاً" لنا على مستويات الموسيقى والفنون والحقوق والسياسة والمال، وبعيداً عن كذبة "التوازن الطائفي"، فاعتبرناه منذ 1948 فينيقياً لبنانياً.

أما الثاني فهو تعبير عن "وجه لبنان" المتسامح بإغاثة الملهوف، بدون قياس دينه وعرقه ولونه. حتى لو تهكمنا على لغته العربية فيما بعد، وهو ما نفعله مع الكردي بقول الكثير، أقله "لا تستكردني… أو راس كردي".

في العراق ولبنان ثمة انتشار لموضة وصرعة "ممانعة موضعية وموسمية". فحاملو سواطير الذبح بالأمس أشقاء بعضهم اليوم في التصفيق لهدم المخيم وخيمته التي جسدها مقاومة عند أم سعد غسان كنفاني وحنظلة ناجي العلي، والاتفاق على "نحن نلعن سنسفيل أجدادك يا فلسطيني لنحميك من نسيان فلسطين"؛ علماً أن الفلسطينيين في الغرب، وبعضهم يحمل جنسيته كشقيقه العراقي واللبناني، أثبتوا في قضية القدس، وغيرها، أنه حتى أطفالهم الصغار لن ينسوا. لكن ماذا تفعل أمام سيل التبرير بالكذب.

فمن يرد أن يمتطي فليدع أنه "ممانع ومع فلسطين"، وهذا طبعاً لا يتعارض مع النظر إلى الفلسطيني "نفايات بشرية" تارة و"مشبوه أمني" في أخرى، و"سببا للكوارث كلها" في ثالثة شيوع خطاب الثورات المضادة في القاهرة ودمشق وأبوظبي إلخ.

هذا كله تحت سقف التبجح بدعم فلسطين وشعبها واعتبار القدس أولوية. وتتشابه حالة شيوع الشعارات الخليجية التطبيعية هذه الأيام، بتزعم سعودي وبحريني واضحين، مشفوعة بـ "بلا فلسطين والقدس ووجع القلب"، بمرحلة غزو شارون وبيغين جنوب لبنان 1982 "ضد الغريب".. الفلسطيني.

من العجيب أن الاهتداء ببوصلة طهران عراقياً، في سياق التسويق لمفهوم الممانعة، حَوَل البصرة والكوفة وكربلاء والنجف إلى إيرانية بزحف مليوني وبحدود مفتوحة، وبالرموز المنتشرة صوراً وشعارات، وفي بغداد ما يزال ثمة ساسة يتنفسون منذ التاسع من إبريل/ نيسان 2003 شعار: "كله بسبب العرب"، كأن أهل العراق، مثل الفلسطينيين، غرباء عن العرب، هبطوا من المريخ في "مطار الناصرية".

فلنعد لأسئلة الواقع: ماذا لو أن هذه العنصرية والإجحاف الحقوقي في الاغتراب، المتبوع بتهييج مستمر، نجم عنهما تعرض ملايين اللبنانيين ومئات آلاف العراقيين، لا سمح الله، لأقل من واحد بالألف مما يتعرض له الفلسطيني على أرضهما؟

يقيناً أنه ولا حتى أصغر فلسطيني متمرد بطبيعته على الخنوع والعبودية والمشي وفق شعار "حط راسك بين هالروس" سيقبل الصمت على ممارسة مخزية بحق أية مجموعة بشرية مهاجرة.

بالمختصر المفيد: من يريد تسويق كذبة الممانعة على حدود فلسطين الشمالية بزيارات مذهبية، والبحث عن طريق القدس على جماجم السوريين والفلسطينيين السوريين، فليتذكر أن من مارس كل الموبقات، من شارع حيفا والبلديات، إلى استمراره بالقول للفلسطيني في لبنان: "أنت منبوذ"، لا يمكنه أبداً أن يكون مع فلسطين.

ومن المضحكات المبكيات تردد صدى شعار الأنظمة عند بعض النخب العربية، بربط أبسط الحقوق الإنسانية للفلسطيني في دولهم بهذا وذاك من الزعماء؛ في سورية ببشار وأبيه حافظ، وفي العراق بصدام. العجيب في النكتة الحقوقية النخبوية - الثقافية أنها نخب تتمتع في أمستردام واستوكهولم ولندن إلخ بحقوقها الكاملة، وتمارس هراء الربط وشرعنة التنكيل بالبشر بدون وجع ضميري.

فقط لنتخيل الصورة، الفضائحية في النفاق، لو أن الأمر يحدث للبنانيي المهاجر، أو عراقيي اللجوء، مثلما يعاد الدرس هذه الأيام مع السوريين في لبنان وغيرها، في ظل نظام يقول لهم "لا تعودوا إلى بلدكم.. فقد استوردنا بدلاً منكم".