غسالات الذنوب

غسالات الذنوب

17 ديسمبر 2017
+ الخط -
شتان بين من يعبد الله في الخفاء إيماناً منه بأن للعبادة خصوصية بينه وبين ربه، ومن يعبد الله جهراً أمام الكاميرات، مرائياً الناس ومستغلاً حضوره القوي في الإعلام ليصنع لنفسه جوقة من المعجبين والمهللين والمدّاحين، ذلك الذي تاجر بعلمه واستحال حذاء في أقدام الطواغيت وتجاهل جرائم السلاطين في حق شعوبهم، طمعاً في مكاسب دنيوية رخيصة!

أتحدث هنا عن شيوخ "الشيطان"، هؤلاء الذين لا أجد حرجاً في أن أسميهم "علماء السلطة"، الذين امتهنوا الدين ولعبوا على وتر الألفاظ وسحروا الشباب والبنات بكلمات رقيقة وحكاياتهم التي لا تعدو كونها "حواديت"، واخترعوا لهؤلاء المغيبين ديناً جديداً لا يقرب إسلامنا في شيء! دين يحكى كالحكايات ويتغنى به الناس، لكن لا يستفتى في أحوالهم الشخصية وأوضاعهم السياسية.

لذلك، يحرص فنانون ورجال أعمال على استضافة هؤلاء في منازلهم ونواديهم؛ لإلقاء محاضرات ذات كلمات مائعة، لتخدير مشاعرهم لفترة وجيزة، فيبكون ويتوبون عن ذنوبهم ويستغفرون، وما إن تنتهي الجلسة ويتسلم مولانا الظرف المكتظ بـ"الشيء الفلاني" حتى يعودوا مرة أخرى إلى معاصيهم، ثم يستدعون مولانا مرة أخرى ليتوبوا وهكذا..!

فأصبح شيخنا "غسالة ذنوب" تعمل بمسحوق العملة الصعبة، فلا صاحب الذنب يتطهر من ذنبه ولا "مولانا" نفع الناس بعلمه!

وبينما نكتب وننحر قلوبنا ونصرخ في ضمائرهم آملين أن نلقى صدى، فإن "شيوخنا الأجلاء" رفعوا شعار: "إنهم يكتبون..! ماذا يكتبون..؟! دعهم يكتبون".

ولهذا، لا تنتظروا من مولانا أن يتعدى خطوطه الحمراء التي رسمها له ضابط أمن الدولة، وأن يخطب في الناس عن الجهاد أو نصرة المظلوم ومقاومة الطغيان، أو نصرة الأقصى، ولو بكلمة، أو حتى أن يتطرق إلى الحديث عن الأوضاع المؤسفة والاضطهاد والإبادة الجماعية للمسلمين في شتى بقاع الدنيا، ولو بالدعاء!

ولا تنتظروا من المتحدثين - كذباً - بقال الله وقال الرسول، الذين ملأوا الأرض والهواء ضجيجاً وادعاءات بأنهم "على خطى الحبيب" كلمة شفقة، أو دعاء على الظالمين في وجه السلاطين الجائرين.

شيوخنا الذين أبهرونا بكلماتهم الذهبية صاروا عرائس تتراقص في الملاهي السياسية وظهرت معادنهم الحقيقية يوم أمطرت علينا السماء قنابل هيدروجينية وبراميل متفجرة، يوم حرقت مساجدنا، ودُهست مصاحفنا وحرق إخواننا أحياء.. يوم أعلنوا القدس عاصمة أبدية لليهود، صدأت كل كلماتهم وخطبهم التي لطالما صدعونا بها.

بعد كل ما حدث انتهى زمن الكلام. رحل وأخذ معه أصناماً من اللحى المستعارة، أما زمن شيوخ التدليس والورع المزيف ودين التنمية البشرية المخدر للشعوب والعنتريات الفارغة والحناجر والتشنجات العصبية فقد عفا عليه الزمن وانكفأ على وجهه للأبد، بعد أن رفع الراية البيضاء أمام زمن الامتحانات العملية، وقيامه مرة أخرى ضرب من الخيال!

أجل، الآن صرنا نعرف الصادق بأفعاله وتحركاته التي تنصف مظلوماً وتنصر مستضعفاً، أما المتلونون الذين يدعون الحياد في المواجهات الصريحة بين الحق والباطل فإلى مزبلة التاريخ.

شكراً للمحنة التي فضحت زيف خطابهم الديني، وكشفت القناع عن فساد أخلاقي وصل سوسه إلى العظام، وأظهرت انهزام نفوسهم أمام إغراءات الدنيا، وتقهقر أفعالهم أمام أقوالهم... أقوالهم التي حملت في أحشائها الكذب أكثر من الصدق، والخيال أكثر من الحقيقة، والعنتريات المزيفة والبلاغة الجوفاء وسط تكبير وتهليل جموع المغفلين.
13811DA5-FE21-4C06-961E-9330584247E6
شروق أحمد عز الدين

مصرية ولدت في الأسكندرية.. خريجة كلية التربية وحاليا طالبة في كلية الإعلام وأعمل محررة.