حزب الله وطريق القدس (1)

حزب الله وطريق القدس (1)

09 يناير 2017
+ الخط -



في حوارٍ أجريته قبل عامٍ ونصف عام مع الدكتور، وليد البني، المقيم في بودابست. وبطلبه، لم أقم بنشر كلّ ما قاله. وما زلت بأمانة ملتزماً بما طلبه. إذ ليس كل ما جرى يمكن نقله بالتأكيد.

في المقابل، لم يفاجئني، بالتأكيد، موقف البني من "حزب الله"، شأنه شأن كثير من المثقفين العرب الذين هالهم حال بيروت بعد أن فعل كاتم الصوت ما فعله بحسن حمدان (مهدي عامل) وحسين مروة، والأخير تقترب الذكرى الثلاثون لاغتياله بعد أن تجاوز عقده الثامن، مُضافاً إليه "احتكارُ مفهوم المقاومة"، وحصرها في من ينتمي طائفياً إلى حزب منغلق أصلاً على طائفةٍ معيَّنة.

  
"الصحوة الإسلامية" وطريق القدس

تكرَّرت أكثر من مرة، منذ أن تخلّى حسن نصر الله عن رايات دول الربيع العربي، إذ كانت دائمة الحضور كخلفيّة للماكينة الدعائيّة، وإن جيرت بما اصطلح تسميته بـ"الصحوة الإسلامية"، نداءات وبيانات مثقفين عرب وسوريين، ومنهم البني وميشيل كيلو، وغيرهما، لأن يقف "حزب الله"، مع من وقف معه من الجماهير العربية في حرب يوليو/تموز 2006، موقفاً صائباً من الثورة السورية.

ما وصلنا إليه بكلِّ بساطة أنَّ القناع الزائف الذي آمنَ كثيرون بقرارة أنفسهم بوجوده على وجه حزبٍ عقائديٍّ "منغلق طائفياً"، وآثروا بالتأكيد تأييده ضد العدو الصهيوني، شطب الرايات واستعاض عنها بتبنيه شعار المؤامرة الكونية، و مقولة "لو تطلبت المعركة في سورية..."، مضافاً إليها اختراع أن "طريق القدس يمر عبر المدن السورية المدمرة"، هذا إلى جانب مقولته الشهيرة "قتال حزب الله في سورية، هو دفاع عن فلسطين وقضيتها، ولكي لا تسقط العروبة والإسلام".

من الأمور التي استوقفتني في حديث الدكتور البني، وهو ابن منطقة تتعرَّض لمقتلة في وادي بردى بيد ذات الحزب الذي آوته جماهيره، بما فيها الزبداني التي كانت ممرًا لكثير من القضايا التي لا يمكن الآن ذكرها، أن عائلته بأكملها كانت ترفع صور "السيد" وتؤيّده، رغم توجُّسِه من الانغلاق الطائفي عند الحزب.

اليسار التائه في أخلاقيات غير ماركسية

ثمَّة ما يستوقف قارئ مواقف ما يسمى "اليسار" و "علمانيي الأنظمة" من مسألة اشتغال كاتم الصوت. فمن استنكر جريمة قتل ناهض حتر، نسي تكسير عظام أهل الموسيقي السوري، مالك جندلي، وأنامل علي فرزات وتحطيم جمجمة غياث مطر وجز عنق إبراهيم قاشوش وتغييب عبد العزيز الخير ورفاقه. هذا إذا لم نذكر مجموع المذابح التي مرت بها داريا وأخواتها، من الحولة حتى رمي جثة الطفل الحوراني، حمزة الخطيب، بعد أقل من شهرين على اندلاع ثورة 2011.

لندع كل ذلك جانبًا، فلا هؤلاء من جانب مقتنعون بالأصل بوجود ثورات، ومنهم "شاعر كبير" و"حقوقيون" ملتحفون بالأحمر. و في الجانب الآخر لا تقاس عندهم المواقف بالأخلاق غير المجتزئة، بل اخترعوا أخلاقاً على مقاس مواقفهم.

اللبنانيون يعرفون من قتل مهدي عامل وحسين مروة والعشرات من مثقفي زمن التبشير بالثورات والعابرين للطائفية والمذهبية، مثلما يعرفون تماماً كيف أنَّ لبنانياً أو فلسطينيّاً فكر مجرد تفكير بفعل مقاومة ضد إسرائيل من جنوب لبنان مصيره مصير الشاب الفلسطيني الذي أنزل العلم من على سفارة أميركا في أبو رمانة بدمشق بعد مذبحة صبرا وشاتيلا 1982.

ما يشغل هؤلاء "المثقفين"، ليس استقرار 3 رصاصات في رأس مصطفى جحا في بيروت عام 1992. قتل قبل سنوات جورج حاوي، وغيره من الشباب، مثل هشام سلمان، أمام سفارة طهران في بيروت نفسها، ولا ما تعرض له المثقفون السوريون من تهم بالعمالة لـ"الإمبريالية والصهيونية"، من الذين أخذوا موقفاً يؤيد ببساطة مطالب الحرية والعدالة والتخلص من حكم الأجهزة الأمنية ودولة بالصدفة يقودها الأب والأبناء وأبناء العمومة والخؤولة، أمنياً واقتصادياً، في حكم وراثي قروسطي في إقطاعيات غير ملكية.

حين يُسْأَل المشهد السوري، بمعارضته وشبابه الذي ثار، عما آلت إليه حالهم اليوم، يغفل ما كان يجب أن يكون عليه دوره. ربما منذ البداية بدا مشهد المعارضة السورية مأزوماً، وبرر بعضهم ذلك بتجفيف وتصحير الحياة السياسية في سورية على مدار عقود حكم "الآلهة"، ولو من القبر، لكن في مقابل ذلك، ثمَّة كارثة بأن لم ينتج الفعل الثوري نضوجاً كافياً بالمشروع والقواسم المشتركة والتوقف عن حسابات هذه وتلك من عواصم الدعم، وجعل القرار سورياً خالصاً، مثلما كانت ثورة شعبهم بعيداً عن خزعبلات المجسمات و "الفوتوشوب" التي برع ما يسمى "إعلام النظام" في تسويقها لبعض مؤجّري العقول، محليّاً وإقليميّاً وعربيّاً.

 

 

دلالات