هنيئاً لكم ببلد تعيس

هنيئاً لكم ببلد تعيس

20 ديسمبر 2016
+ الخط -


أستطيعُ أن أعقد هذه المقارنة بجرأة. وهي أنَّ المُعدّل الأخلاقي والأنْسَنَة، في البيئات التي تضامنت مع القيم المعنويَّة للحراك الاحتجاجي الجذري السياسي ـ الاجتماعي في سوريَّة (من كلّ الطوائف على فكرة)، أعلى بشكلٍ ملحوظ، من مُعدَّلات الأخلاق والأنسنة في البيئات المناصرة للنظام السوري وحلفائه (من كل الطوائف أيضاً).


وأحكي هنا على صعيد النخب والشعب (مع التحفُّظ على هذا التقسيم). تتراوح مواقف المؤيدين لنظام الأسد، بين تحويل مناطق الاحتجاجات إلى حقول لزراعة البطاطا، إلى الدعوات المباشرة للقتل والاغتصاب والحرق، إلى ضعف الحساسيَّة النقديَّة تجاه اليمين الديني المتطرّف في أوساط هذه البيئات، إلى الحديث عن تخلّف هذه البيئات المحتجة وضرورة استئصالها وقتل ناس، إلى مشاركة أطباء مؤيدين في تعذيب الجرحى، وتبرير مثقفين لعمليَّات الإبادة، مع ضعف الكمون الاعتراضي الاحتجاجي في هذه البيئات المؤيّدة، وانعدام النقاش فعليّاً حول أي مسألة أخلاقيَّة، علماً أن الخوف من النظام لا يبرّر كل شيء.


في حين أن البيئات المؤيدة للثورة السوريَّة، فيها حساسيَّة نقديَّة أعمق وأوسع وأكثر حديَّة وتمايزاً، إذ إنهَّا دانت أكثر من مرَّة الارتكابات الطائفيَّة للفصائل العسكريّة المسلحة، وهنالك فصائل "جيش حر” (الله يرحمه) دانت، مثلاً، عملية إعدام دروز في ريف إدلب، أو الأصوات الاحتجاجيَّة الواسعة التي ظهرت ضد خطف حركات إسلاميَّة لعلويين مدنيين من القرى العلوية المحاذية للساحل، وإدانتها لهذا الفعل، أو حتّى ما حصل البارحة، عن ضرورة فكّ الحصار عن المدنيين في قريتي الفوعة وكفريّا ذات الغالبية المذهبية الشيعية من قبل "جبهة النصرة".


النقاش الأخلاقي، والإحساس بالعدالة، في البيئات المحتجّة أكثر حيويّة، والكمون الاعتراضي النقدي أشدُّ بما لا يقاس. الأسد وحلفاؤه، يقومون باستئصال هذه البيئات المحتجّة الآن وتهجيرها، وطرد أيّ أحد دافع عن القيم المعنويّة التي خرج من أجلها الناس. من سيبقى في البلد؟ مجموعة من العساكر أصحاب الوشوم (الوشوم البشعة طبعاً)، وعشّاق أغاني العتابا عن حسن نصر الله والأسد، ومرتادو الكابريهات الشبيحة. هكذا بلد هي جحيم فعلياً، وهنئياً لكم بها...

 

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى