وسائل التواصل الاجتماعي وصحة المراهقين

وسائل التواصل الاجتماعي وصحة المراهقين

25 ابريل 2024
+ الخط -

لقد أدّى تسارع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى تشكيلِ تجربةِ المراهقين بشكلٍ عميق، حيث خُلِقت وسائل جديدة للتواصل والتعبير عن الذات والوصول إلى المعلومات. ومع ذلك، فقد أثارت هذه الثورة التكنولوجية مخاوف كثيرة، بشأنِ التأثيراتِ المُحتملة على العقولِ النامية والصحة العقلية للشباب. وبينما يتصارع الآباء والمعلمون وصانعو السياسات مع هذه التعقيدات، تُقدّم الأبحاث النفسية رؤى قيّمة حول كيفية التعامل مع هذا المشهد بمسؤولية.

لا تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي قوة موّجهة نحو الخير أو الشر في نمو المراهقين، بل إنّ تأثيراتها معقدة ومترابطة مع عوامل مثل الميزات المحدّدة لمنصات التواصل، والسمات والظروف الفردية لكلِّ شخصٍ شاب، والسياقات الاجتماعية الأوسع التي يعيشون فيها. ويؤكد هذا الفهم على أهمية النُهج المخصصّة ومتعدّدة الجوانب، بدلاً من الوصفات أو الحظر العام.

خلال مرحلة المراهقة المبكرة، التي تمتد عادة من سن 10 إلى 14 عامًا، تتزامن الدوافع البيولوجية المتزايدة للحصول على الموافقة من الأقران مع القدرة غير الناضجة بعد للضبط الذاتي. يسلّط هذا التزامن الضوء على الدور الحاسم للإرشاد البالغ في هذه المرحلة. ويمكن لمراقبة الوالدين والمناقشات المفتوحة ووضع حدود مناسبة للعمر، أن تساعد في بناءِ عاداتٍ صحية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. والأهم من ذلك، يجب أن يوازن هذا الإشراف بين الاستقلالية والثقة مع نُضْج المراهقين، مما يتيح مساحة لاستكشاف الهُويّة مع الحفاظِ على المساءلة الداعمة.

يوّفر الوصول إلى المجتمعات المبنية حول الهُويّات، أو الخبرات الحياتية المشتركة، دعمًا لا يقدّر بثمن ضد العزلة ووصمة العار

يمكن لعالم الإنترنت أن تنبعث منه فوائد نفسية واجتماعية هائلة من خلال تسهيل دعم الأقران والشعور بالانتماء وتبادل المعلومات، لا سيما بالنسبة للشباب من الفئات المهمّشة. ويمكن أن يوّفر الوصول إلى المجتمعات المبنية حول الهُويّات، أو الخبرات الحياتية المشتركة، دعمًا لا يقدّر بثمن ضد العزلة ووصمة العار. ومع ذلك، يجب الحد من تعرّض المراهقين للمحتوى الذي يعزّز السلوكيات الضارة، مثل إيذاء النفس، والعنف، واضطرابات الأكل، والتمييز، ومعالجتها بشكلٍّ استباقي.

ولا يقلّ خطورةً عن ذلك خطر التنمّر الإلكتروني وخطاب الكراهية الذي يستهدف الأفراد على أساس خصائص، مثل العرق، أو الجنس، أو حالة الإعاقة أو غيرها من الهُويّات. تشير الأبحاث إلى الأثر النفسي الضار لمثل هذه الكراهية الإلكترونية، ممّا يؤجّج القلق والاكتئاب والصدمات النفسية، حتى بشكل أكبر من تجارب التحيّز والقسوة في الحياة الواقعية. ولذلك، فإنّ تنمية المرونة من خلال التثقيف الإعلامي ونقد الرسائل العنصرية والتمييزية، أمر حيوي. 

كما أنّ المقارنة الاجتماعية هي جانب دائم من جوانب المراهقة، إلا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تُفاقم الميل إلى التأمل في المظهر، أو المكانة الشخصية مقارنةً بالصور المثالية. يرتبط الفحص المفرط في هذا المجال بزيادة عدم الرضا عن الجسم واضطرابات الأكل وأعراض الاكتئاب، لا سيما بين الفتيات والشابات.

يجب الحد من تعرّض المراهقين للمحتوى الذي يعزّز السلوكيات الضارة

 

يجب أيضًا تقييم علامات الاستخدام الإشكالي والقهري لوسائل التواصل الاجتماعي التي تعيق الأداء اليومي بشكل روتيني. وقد تشير فترات الاستخدام الممتدّة والمقترنة باضطراباتٍ في تلبية الاحتياجات الأساسية مثل النوم الكافي والنشاط البدني والتفاعلات وجهاً لوجه، إلى مجالاتٍ للتدخل، ومع ذلك، فإنّ عوامل الخطر هذه ليست قابلة للتطبيق بشكل عام، فالنضج التنموي الفردي يجب أن يظل اعتبارًا رئيسيًا.

مع استمرار هذا التداخل المعقد، يؤكد الباحثون النفسيون على الحاجة الملحة لإجراء المزيد من الدراسات الشاملة ديموغرافيًا حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على مدى الحياة. ويمكن للشراكات التي تتيح الوصول الآمن والأخلاقي إلى البيانات من شركات التكنولوجيا أن تكشف عن رؤى حيوية.

في هذا المشهد المتطوّر، من الضروري اتخاذ موقف واعٍ وفاعل من قبل أولياء الأمور على رفاهيةِ الشباب، من خلال تسخير الإمكانات التواصلية لوسائل التواصل الاجتماعي مع الحدِّ من المخاطر، وتعزيز محو الأمية الرقمية، وإعطاء الأولوية للتنمية الشاملة، وبهذا يمكننا تمكين الأجيال القادمة من التنقل بأمان وازدهار في هذا المجال التكويني.