ما أسباب غياب الديمقراطية عربيا؟

ما أسباب غياب الديمقراطية عربيا؟

08 نوفمبر 2022
+ الخط -

لا شك أنّ الديمقراطية مصدر قوة للمواطن والسلطة في وقت واحد، وهي الوصفة السرية التي أحدثت النهضة والتنوير والتطوّر والثورة الصناعية في المجتمعات والدول الغربية، وهي من ينادي بتطبيقها جميع الناشطين والمعارضين لدينا على مدار مائة عام مرّت، لكن من خلال التجربة اتضح أنّ الديمقراطية في المجتمعات النامية ليست هي ذاتها في البلدان الغربية، والديمقراطية لدينا ليست إلا مادة للخطابة ونصوصا تنتشر بين فقرات الدساتير العربية، ولا يكترث أحد بالالتزام بها.

في العراق ولبنان، وفي تونس ومصر واليمن بعد الربيع العربي، وقبل ذلك بعقود في باكستان والهند والفيليبين ونيجيريا وسيراليون، وكذلك في البرازيل والأرجنتين والمكسيك، حصلت محاولات لإرساء أسس ديمقراطيات وفق النمط الغربي، لكن أغلب التجارب كان مصيرها الفشل، فالنظم السياسية الديمقراطية التي حاولت بناء ديمقراطيات ناشئة كان مصيرها إما الضعف والغرق في الفساد وعدم الاستقرار، كما في لبنان والعراق، أو العودة إلى الحكم العسكري كما في مصر والسودان، أو صعود الشعبوية كما في تركيا وتونس، أو الفوضى والصراعات كما في اليمن وليبيا، والطامة الكبرى أنّ قطاعات شعبية كبيرة أخذت تدعو للسلطة المستبدة، بعيداً عن النوع المترهل من الديمقراطية المعيبة الذي نعيش تفاصيله. فلماذا تتعثر لدينا تجربة تطبيق الديمقراطية، في الوقت الذي تكون فيه نظاما عالميا وتتطوّر في بلدان أخرى؟ هل تختلف المجتمعات؟ أم تختلف القيم؟ أم يختلف رجال السياسة بين الشرق والغرب؟

قد يكمن السبب في أحد هذه الأمور أو أمور أخرى تتعلق بغياب البنية التحتية للديمقراطية أو سيادة التعصب الديني والقبلي، وربما كلّ هذه الأسباب مجتمعة.

لا نريد الوصول الى إجابة قاطعة عن هذه التساؤلات في هذه التدوينة، بقدر ما نهدف إلى سرد جزء من عوامل الوهن التي جلبتها الديمقراطية دون أن يلتفت إلى إصلاحها أحد، رغم تكرار التنبيه عنها من قبل المدونين والكتاب.

فأول عوامل الوهن في الديمقراطية لدينا أنها أسهمت في إضعاف سيادة الدول، وفتحت الباب لتدخل القوى الكبرى في شؤونها بشكل سافر، بدعوى حماية الأقليات أو حماية الناشطين أو حماية الثروات أو الحرب على الإرهاب.

وثاني عوامل الوهن أنّ النظم الديمقراطية أكثر تساهلاً مع الفساد، بل إنّ الفساد يشكل بوابة لتمويل الأحزاب المتنافسة التي تختلف في كلّ المفاصل وتتفق على تقاسم السلطة والثروة، ناهيك عن تساهل السلطة مع الفاسدين لأسباب سياسية.

ثالث عوامل الوهن هو تحوّل التنافس الانتخابي إلى صراع سياسي أكثر شراسة من الحدّ المسموح به، والأخطر هو نزول الصراع إلى الشارع المنقسم عرقيا وطائفيا.

القانون في الديمقراطية الغربية، أقوى من السياسة، ولدينا السياسة فوق القانون

رابع هذه العوامل هو الفوضى الإعلامية، فمرونة القوانين فتحت الباب أمام حرية النشر التي تحولت في العراق إلى فوضى النشر وحلّت الجيوش الإلكترونية محلّ وسائل الإعلام الرصينة التي تراجعت أمام هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي.

خامس هذه العوامل هو الفوضى الاقتصادية وصعوبة التحوّل من الاشتراكية أو رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق، وإذا أخذنا في الاعتبار تعاظم نسب البطالة والفقر والجوع مع غياب الدعم الحكومي استجابة للشروط المجحفة لصندوق النقد الدولي نجد أنّ التطبيق الخاطئ للديمقراطية لدينا أسهم في ترسيخ الفقر والبطالة.

وسادس هذه العوامل يتعلّق في ضعف الإدارة أو المؤسسات الإدارية التي تفقد مهنيتها أمام سيطرة الأحزاب المتصارعة، فتداول السلطة الذي يجدّد شباب النظام السياسي في الغرب يسهم في قلب كيان النظام السياسي لدينا.

وسابع هذه العوامل أنّ الديمقراطية الناشئة، ومع ضعف القانون، سهلت عملية الإفلات من العقاب، فسقوط حكومة وصعود أخرى يمنح الكثير من المحتالين وسماسرة المناصب فرصة للتغلغل وإثبات الولاء للحكومة الصاعدة التي تحتاج إلى داعمين، والبراء من الحكومة السابقة التي تتحمل الاتهامات بالفشل والتقصير.

 وثامن هذه العوامل هو ضعف الدولة أمام جماعات الضغط والقوى الاجتماعية من رجال أعمال أو ملاك أراض أو قبائل أو مليشيات محلية أو شركات عالمية.

وتاسع هذه العوامل هو أن القانون في الديمقراطية الغربية أقوى من السياسة، ولدينا السياسة فوق القانون.

 وأما عاشر هذه العوامل فيكمن في غياب الشكل الحقيقي للمعارضة.

عباس عبود سالم
عباس عبود سالم
باحث وإعلامي عراقي، متخصّص في العلاقات الدولية، شغل منصب رئيس تحرير صحيفة الصباح العراقية الرسمية لثلاث سنوات، وشغل مواقع إعلامية مهمة، منها رئاسة دائرة الأخبار في التلفزيون العراقي. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية وشهادات أكاديمية أخرى. أعرّف نفسي بمقولة "الإيمان المطلق بالحقيقة يكشف الزيف ويعرّي المزيفين".

مدونات أخرى