عن "الحشاشين" ومن يقف خلفهم

عن "الحشاشين" ومن يقف خلفهم

21 مارس 2024
+ الخط -

قبل أن نستلَ خنجرَ النقد وسهام المكاشفة ونلحق بركبِ الساخرين، وأيضًا المصدومين من "الرداءة" التي يشاهدون بها مسلسل "الحشاشين"، مالئ الدنيا وشاغل الناس، ليس هذا العام فقط، بل ومنذ السنة الفارطة، ذلك أنّه كان من المقرّر أن يُعرض آنذاك وتقرّر تأجيله في الرمق الأخير، وبالتالي كسب صنّاع العمل حيّزًا زمنيًا مهمًا لإعداد "ملحمة فنية" منتظرة. لكن لماذا، كنت شخصيًا، أنظر بالريبة والشك للعمل حتى قبل أن يبصر النور، ولم "أصعق" كباقي الزملاء الذين يميلون لوضع عناوين تكشف مدى خيبة أملهم من مستوى المسلسل؟ 

ببساطة شديدة لأنّني ما زلت أتذكر مداخلة هاتفية قام بها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل ثلاث سنوات في أحد البرامج التلفزيونية، موّجهًا كلامه للكاتب، عبد الرحيم كمال، قائلًا بالحرف الواحد: "جهز اللي أنت عايزه وأنا معاك، قضايانا كتير، وتناولها مهم جداً، ودعمي للإبداع موجود ومجهز له كويس، وبطلب منك إنك تعمل عمل تحشد فيه كل الموهبة في أسرع وقت ممكن لبناء الوعي الحقيقي".

إذا "عُرف السبب بطل العجب"، ومنذ هذا التوجيه العلني الصريح لسيناريست موهوب ومميّز، يبدو وكأنه فقد السيطرة على الخطوط الدرامية لمسلسلاته مؤخرًا، وهو مهندس العديد من الأعمال الرائعة على غرار "الخواجة عبد القادر" و"شيخ العرب همام" و"ونوس"، وغيرها الكثير.

وقبل الخوض في حيثيات "الحشاشين"، لا بدّ من استحضار عمل آخر صدر للمشاهدين تحت شعارات عريضة، ولكن تمخض الجبل فولد فأراً، وأقصد هنا مسلسل "القاهرة كابول" الذي شكّل بداية دخول كمال "للمستنقع" الذي يفتك باسمه وتاريخه. وحين ندقّق في حوارات هذه المسلسلات، سنجدها أشبه بمؤتمرات الشباب، وبكائيات السيسي التي لا تنتهي مع فارق بسيط أنّها تنطق على لسان ممثلين معروفين، عليهم تقديم فروض الطاعة والولاء لـ"الشركة المتحدة" المتحكّمة بالفضاء والهواء في المحروسة.

مهما صرفت من أرقام فلكية، وحتى لو تمّ التعاقد مع من يصنّفون نجوم الصف الأول في مصر ستكون النتيجة واحدة، طالما هناك متحكّم معلوم في كلّ دهاليز المجال الفني

بعد توّقف مسلسل "الاختيار" والتلاعب بالتاريخ الحديث (على عينك يا تاجر) واستنفاد كلّ الأفكار المتاحة لتلميع صورة النظام المصري، ما جعل تلك الأعمال تخدم روّاد مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من غيرهم، من خلال إتاحتها مواد مميّزة للسخرية والتداول؛ قرّرت الشركة سالفة الذكر التوّجه نحو دفاتر التاريخ، وكان مسلسل "الإمام الشافعي" أول الغيث. ورغم ما ناله المسلسل من انتقادات لاذعة بسبب الصورة الكارثية التي ظهر عليها، فإنّ هؤلاء لم يرتدعوا، بل بالعكس قرّروا الرهان على مغامرة جديدة جاءت تحت مسمّى "الحشاشين" مع الارتكاز على النجم الأوّل في مصر حاليًا، كريم عبد العزيز، مع المخرج "المخلص" لهذه النوعية من المسلسلات، بيتر ميمي، ولا أحد يشكّك البتة في كفاءة وموهبة الثنائي، ومعهم الكاتب عبد الرحيم كمال؛ لكن لماذا ظهر العمل بهذه المستوى المخجل، وهو الذي استغرق عامين في التصوير وخُصّصت له ميزانية ضخمة؟

الجواب بسيط، ويكمن في غياب هامش الحرية لدى صنّاعه المقيّدين بتوجيهات معيّنة، ما جعلنا لا نرى من شخصية قرأنا عنها الكثير مثل الحسن الصبّاح، سوى  هذا البرود، بحيث ظهرت شخصيته أقرب لسحرة "الموالد"؛ دون إغفال ما حلّ بشخصية الشاعر عمر الخيام، من تبخيس وتنكيل، إذ صار أشبه بكتّاب كلمات أغاني المهرجانات مع حوارات ضائعة بين استخدام اللغة العربية الفصحى واعتماد العامية المصرية التي أفقدت القصة رونقها.

ومع المفاجأة الكبرى المجسّدة في ضياع السيناريو وتشتّت أحداثه، وجدنا أنفسنا أمام مجرّد مشاهد ولقطات مجتزأة، في غياب حبكة متماسكة وخطوط قوية تُوصلنا للهدف المنشود.

لتكون الخلاصة، أنّه مهما صرفت من أرقام فلكية، وحتى لو تمّ التعاقد مع من يصنّفون نجوم الصف الأوّل في مصر، ستكون النتيجة واحدة، طالما هناك متحكّم معلوم في كلّ دهاليز هذا المجال؛ ونختم بالسؤال التالي: من هي الشخصية أو الحقبة الزمنية المستهدفة في العمل القادم يا ترى كي تلحق بالركب، ويتم التنكيل بها أيضا؟