صديقي العزيز: مع عامي الجديد أكتب إليك

صديقي العزيز: مع عامي الجديد أكتب إليك

15 يناير 2023
+ الخط -

صديقي العزيز، مع عامي الجديد أكتب إليك بقلم يكاد مداده يجف، أناديك بلسان عاشق ليس في مذكراته أي حبيبة يسكب من أجلها دم قلمه وجلّ اهتمامه، وليس لي سواك فتقبل مني ما سأكتبه إليك من كلمات. 

قبل أيام استقبلتُ عاماً جديداً، أخذت نفساً عميقاً، قلت في نفسي: ما أتعسنا! نركض لنصل أسرع، وعندما نصل نتضجر، ثم نكتشف أننا لم نكسب سوى مزيد من الإرهاق وخسارة عام من العمر.

مع بداية العام، تابعت الناس بشتى أطيافهم، وأخذت طريقة استقبالهم للعام الجديد مثالاً.

في قاموسي أرى أن الانتصارات هي نتاج خيباتنا في الماضي، ولولا تلك الخيبات لما حققنا هذه الانتصارات التي نحتفل بها اليوم

هناك من يرى أن انتهاء العام إنجاز، كالطفل، يريد أن يصبح أكبر ليحصل على مميزات أكثر أو كذلك الذي رأى أن الحياة قست عليه في ذلك العام أكثر من ذي قبل فيريده أن يمر، لعل وعسى أن يمر معه كل ما هو سيئ، فيحصل على قليل من الراحة والسعادة في العام المقبل.

وهناك من يرى مضيّ عام من العمر خسارة، وهذا في الغالب تفكير من شارف على الثلاثين فأكثر، فهو يرى العمر يمشي سراعاً، بينما هو واقف أمامه دون حركة، لم يحقق تلك الأحلام التي كان يخطط لها. أما الجماعة الثالثة، فهم من يشعرون بأنهم سقطوا سهواً من عجلة الزمن، فلم يعد تباطؤ الأيام يخيفهم ولا مضيّها يفرحهم، وهذا حال من جارت عليهم الأيام وأفجعتهم نوائبها لدرجة أن آلامهم حلت محلّ أيامهم، فلم تعد في قائمة اهتماماتهم.

لا أخفيك يا صديقي أني احتفلت في عامي هذا بانتصاراتي وخيباتي معاً. في قاموسي أرى أن الانتصارات هي نتاج خيباتنا في الماضي، ولولا تلك الخيبات لما حققنا هذه الانتصارات التي نحتفل بها اليوم، كما لا ننسى أن خيباتنا اليوم سيكون لها الدور الأكبر في انتصاراتنا غداً، لذا يجب ألا نحزن كثيراً لأجلها.

كما أرى أنه لمِن الظلم جعل احتفالاتنا حصراً على إنجازاتنا المادية، بل يجب أن نحتفل أيضاً بتلك الهدايا الثمينة التي يقدمها لنا الزمن دون أن ننتبه إليها، وما أكثرها.

تذكرتك بالأمس عندما زرت ضريح جلال الدين الرومي في مدينة قونية التركية، تلك الموسيقى المولوية الهادئة التي تملأ المكان طارت بي عالياً، جعلتني أجنح بالتفكير وأسافر بعيداً، إلى القرن الثالث عشر الميلادي، إلى جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، وذلك الحب الخالد.

قبل أن أقرأ عن جلال الدين الرومي وشمس، كنت أظن أن شمس امرأة، وتساءلت عندما عرفت لأول مرة أنه رجل: كيف لكل هذا القدر من الحب أن يكون لرجل؟ واتضح لي بعدها أن الحب لا يحتاج إلى امرأة ليكتمل، فقد يكون لأجل صديق عزيز، كشمس بالنسبة للرومي، قد يكون لأجل أخ، وقد يكون لأجل وطن، وما أكثر الأوطان التي فقدت محبيها.

صديقي العزيز، لا أريد أن أثقل عليك أكثر، ولكن أحببت أن أبدأ عامي الجديد معك، تمنيت لو التقينا لنتبادل الحديث وأخبرك أن في الحياة ما يكفي من الفرح لنحتفل به، وأن في قادم أيامنا ما يكفي من الحب لنعيش من أجله.

عبد الرحمن الآنسي
عبد الرحمن الآنسي
مؤلف وروائي يمني مقيم في تركيا، له روايتان ومجموعة قصصية، وينشر في عدد من الصحف. يعبّر عن نفسه بالقول "اختلف معي لأراك، فقد مللت من رؤية صورتي في المرآة كل يوم".