السبق الصحافي.. لا أن تسبق غيرك!

السبق الصحافي.. لا أن تسبق غيرك!

30 مارس 2024
+ الخط -

السبق الصحافي هدف يركض خلفه كل من كُتب له أن يمتهن هذه المهنة. وأذكر إبان زيارة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، السيد جياني إنفانتينو، إلى الخرطوم في فبراير/شباط 2021، كُنا قد عُدنا إلى مقر الاتحاد السوداني لكرة القدم، بعد أن افترقنا عن موكبه، الذي أتجه إلى القصر الجمهوري، إذ مُنعت وسائل عن الزيارة، وتم حصرها على إعلام القصر فقط. 

وبينما كُنا جالسين في إحدى قاعات اتحاد الكرة، فإذا بأحد المصورين يحمل الكاميرا وينطلق بها راكضا نحو بوابة الاتحاد، لم تكد تمضي ثانيتان أو ثلاث حتى رأينا مصورا آخر يلاحقه، ثم يسبقه، فانطلقنا جميعا، إلى حيث هم ركضوا. ولم تمضِ سوى لحظات حتى تحول المكان إلى حلبة يتدافع فيها جميع المصورين والصحافيين على حد سواء، وبدأ الناس يتساءلون: ماذا هنالك؟

لم نجد من يقدم لنا جوابا شافيا، وبعد مضي بِضع دقائق عاد جميع اللاهثين إلى مقاعد الانتظار وهم يجرُون خلفهم ذُيول الخيبة. فسُئل أحدهم عما حدث فقال: "بصراحة الوحيد الذي كان يعرف سبب الركض هو ذاك المصور "أشار إلى أحد الزملاء" الذي انطلق مهرولا في البداية، أما الآخرون فكُل ما كانوا يعرفونه هو أنه يركض، فركضوا".

لتتبين الحقيقة أن المصور قد نَسَي الميكروفون اللاسلكي قرب أحد جنبات سور الاتحاد الخارجي، فرجع مُسرعا لاستعادته قبل دقائق من وصول السيد جياني إنفانتينو الذي كُنا نترقبه بين الفينة والآخرى.

بين السبق الصحافي والخبر الكاذب شعرة واحدة، لكن هذا الهوس يدفع بصحافيين لاختلاق قصة وهمية تحرك الرأي العام

بشكلٍ عام.. في كل زمان أوبئة وأمراض، وفي زمننا هذا أحد أخطر الأوبئة، والذي يحتاج لعلاجٍ شخصي عاجل، هو السبق الصحافي على وسائل التواصل من دون التفكير في العواقب. فالمهم السبق الشخصي كأنه انتصار عظيم ومعرفة غير مسبوقة.

هوس السبق الصحافي هو أكثر ما يؤثر في الأخبار والرأي العام اليوم، والانجراف وراءه يجعل من فكرة حرية الصحافة وبالاً على المجتمع والإعلام وخطرا أشد من خطر قمعها.

بين السبق الصحافي والخبر الكاذب شعرة واحدة، لكن هذا الهوس يدفع بصحافيين لاختلاق قصة وهمية تحرك الرأي العام. يفعلون أي شيء كي يلفتوا الانتباه ويجذبوا المتابعين.

والشيء بالشيء يُذكر.. حدثني زميل قائلا: لقد عِشتُ "هوس" السبق الصحافي إلى فترة ما، وشعرت بلذته حينما أرى حجم الانتشار هنا وهناك. وفي الوقت نفسه كُنت أعيش الندم بل الخيبة، حينما تكون المعلومة مغلوطة أو ناقصة بسبب مصدر غير مسؤول. لذلك أنصح نفسي أولا وزملائي ثانيا بالنضج التام في التعاطي مع أي خبر كان.

أخيرا.. هوس السبق الصحافي أصبح مرضا مُستشريا في كثير من الواجهات والمواقع الإخبارية والإعلامية بغض النظر عن الخبر أو المحتوى، لذا يجب أن يكون هناك شيء من المهنية والعقلانية في التحقق قبل النشر ومراعاة المتابعين، فسهولة الحصول على المعلومة أصبحت في متناول الجميع.

أنا عن نفسي لا أؤمن بالسبق الصحافي، ولكن كيف تكتب بطريقة صحافية صحيحة هذا هو السبق، لا أن تسبق غيرك. والسلام!!.