اليوم، وبعد الرد الإسرائيلي الوحشي ضد قطاع غزّة بعد عملية طوفان الأقصى، أصبح العالم كله على يقين من أنّ إسرائيل دولة لا تحترم القانون الدولي أو القانون الإنساني، ومستعدة لانتهاك أقدس القيم الإنسانية لإشباع غرائزها العدوانية والعنصرية.
وقعت عملية طوفان الأقصى في ظل أكثر الحكومات تطرّفا وعنصرية واستفزازا في تاريخ إسرائيل، وفي ظل انهيار تام للنظام الإقليمي العربي، وصعود كبير للدور الإيراني في المنطقة، وفي وقتٍ يمرّ فيه النظام الدولي بحالة سيولة غير مسبوقة.
إسرائيل أبلغت مصر رسمياً اعتزامها القيام بعملية عسكرية كبرى ضد حركة حماس قد تستغرق ثلاثة أشهر، ما يعني عدم استبعاد إقدامها على اجتياح القطاع برّياً والبقاء فيه، إلى أن تتمكّن من اغتيال قادة الحركة، وتدمير بنيتها العسكرية... هل هذا ممكن؟
النظام العربي، والذي استطاع أن يخطّط ويدير معركة عسكرية وسياسية كبرى مبهرة ضد إسرائيل عام 1973، فشل في البناء على المنجزات التي تحقّقت، ما أدّى إلى تحوّل النصر العسكري بالتدريج إلى هزيمة سياسية شاملة نرى أثارها في كل مكان في عالمنا العربي اليوم.
ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة مختلفة كليا عن انتخابات 2014 و2018، حتى لو جاءت بالرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي رئيسا، لأنها ستؤسّس، على الأرجح، لمرحلة جديدة، ستصبح فيها مصر بعدها مختلفة عما كانت عليه قبلها.
عقبات كثيرة تواجه تحويل الصفقة الأميركية المقترحة للتطبيع بين إسرائيل والسعودية من مجرّد أفكار قابلة للنقاش على طاولة مفاوضات سرّية تجري منذ سنوات إلى اتفاقٍ قانونيٍّ ملزم، يمكن أن يُفضي إلى تبادل فعلي للسفراء بين السعودية والكيان الصهيوني.
كانت فترة الهيمنة الأميركية المنفردة وبالا على العالم كله، خصوصا على كل دول الجنوب، وهو ما يفسّر بوضوح لماذا تبدو دول الجنوب بالذات متحمّسة لإنهاء عصر القطبية الأحادية رغم تحفّظها الواضح على الأسلوب الذي استخدمته روسيا، خصوصا في أوكرانيا.
الصفقة التي تقترحها إدارة بايدن للشرق الأوسط والسعودية صمّمت أساسا لخدمة مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المقام الأول، وتمريرها سيتيح للأخيرة تحقيق مكاسب جيوسياسية كبرى، تضمن لها عودة قوية إلى الشرق الأوسط بعد مرحلة أفول.
مشروع ثورة ٢٣ يوليو انتهى برحيل جمال عبد الناصر، لكنه بقي حيا في نفوس المصريين، لأنه عبّر عن آمال الحركة الوطنية المصرية التي تشكّلت في أعقاب ثورة 1919، ولأنّ النظام السياسي للثورة عجز عن تحقيق هذه الطموحات، فإن ثورة يناير ٢٠١١ هدفت إلى تصحيح مسارها.
توحي شواهد كثيرة بأن السعودية ليست في عجلةٍ من أمرها لتطبيع العلاقة رسميا مع إسرائيل، وتؤكّد أنها باتت تدرك حجم المخاطر التي يمكن أن تنجم عن خطوةٍ خطيرةٍ كهذه، خصوصا بعد أن بدأت تطرح نفسها دولة مرشّحة لقيادة النظام الإقليمي العربي ككل.