"ولاية سيناء": قدرات هائلة و"داعش" كلمة السر

"ولاية سيناء": قدرات هائلة و"داعش" كلمة السر

02 فبراير 2015
يواجه السيسي مسلّحين محترفين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
كشف بيان تنظيم "ولاية سيناء" لإعلان تفاصيل الاعتداءات التي شنّها مسلّحوه على مقارّ عسكرية وأمنية في محافظة شمال سيناء، مساء الخميس الماضي، عن تطور في تكتيك وقدرات التنظيم. فعلى مدار أربعة أعوام تقريباً، استهدف التنظيم، تحت مسمى "أنصار بيت المقدس"، أهدافاً عسكرية وأمنية مهمة، ولعل محاولة استهداف موكب وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، أبرز مثال على خطورة هذا التنظيم. مع العلم أن الحكومة المصرية لم تُدرج التنظيم على قوائمها "الإرهابية"، إلا متأخرة، وانصرفت إلى محاولة قمع جماعة "الإخوان المسلمين" والتيار الإسلامي.

وفي ظلّ وجود حالة من الاستقطاب السياسي، اعتبرت دوائر السلطة في مصر والإعلام، أن "تنظيم ولاية سيناء، هو الوجه الآخر لجماعة الإخوان"، من دون تقديم دليل واحد على هذه الادعاءات. ويتميز مسلّحو التنظيم بخبرات كبيرة، بدأت تتنامى في ظلّ تصاعد المواجهات مع الجيش، وهو ما يظهر في عمليات التنظيم منذ ثورة يناير 2011، وحتى آخر عملياته في هجمات سيناء الأخيرة. فقد نفذ التنظيم عملية "نوعية" كبيرة، بالهجوم على مركز عمليات الجيش والشرطة، في مديرية أمن شمال سيناء واستراحة الضباط في العريش، فضلاً عن الكتيبة 101 التابعة لقوات الجيش.

بيد أن البيان التفصيلي بالعملية، والذي حدّد تفخيخ ثلاث آليات، من بينها صهريج مفخخ بنحو 10 أطنان من المتفجرات، كشف عن معطيات تظهر للمرة الأولى، وتتجلّى في الكشف الدقيق عن عتاد العملية. ومع أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها التنظيم السيارات المفخخة، على طريقة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، غير أن وقع العمليات كان أقل ضجيجاً، مما هو عليه الآن، لكمية المتفجرات المستخدمة في عمليات سابقة.

وبرز "تفاخُر" التنظيم بنشر تفاصيل المتفجرات المستخدمة، في أمر ذي دلالة كبيرة، كون إعداد متفجرات تزن 10 أطنان يحتاج إلى ترتيبات كبيرة ودقيقة، فالتعامل مع بضعة كيلوغرامات من المتفجرات ليس كالتعامل مع أطنان منها.

وعلى الرغم من تخصيص الجماعات الجهادية المسلحة، خبراء لتصنيع المتفجرات وإعداد السيارات المفخخة بطريقة احترافية، وتدريب الخبراء بشكل جيد لإتمام الأعمال المستهدفة، إلا أن استخدام "ولاية سيناء" هذه الكمية من المتفجرات يُعدّ سابقة، ويشير إلى إمكانية ألا يكون المُعدّ مصرياً، أو أن يكون مصرياً تلقى تدريبات احترافية على صناعتها.

ويبرز في سياق إعداد هذه الكميات من المتفجرات، وجود مكان آمن يتمكن من خلاله خبراء المتفجرات من إتمام عملهم، بمعزل عن الاشتباكات والمواجهات مع الجيش، نظراً للحاجة إلى خلط المواد المتفجرة بنسب معينة، لا تحتمل الخطأ. كما أن الفترة المطلوبة لتجهيز هذه الكميات طويلة، وهذا يعني أن مكان الإعداد تم بعيداً عن نقاط الاشتباه في تواجد عناصر مسلحة، والتي يقوم الجيش بمداهمتها بناء على معلومات تصل إليه.

ويكشف إعداد هذه الكمية من المتفجرات، زيف ادعاءات الجيش المصري من السيطرة على الأوضاع في سيناء على أرض الواقع، فضلاً عن قوله إن "إقامة منطقة عازلة في سيناء وتحديداً في رفح، يصبّ في صالح مواجهة الجماعات المسلحة".

كما كان لافتاً في بيان تنظيم "ولاية سيناء"، ذكر عدد المسلّحين الذين شاركوا في الهجمات، والذين وصل عددهم إلى 100 مقاتل. وهي المرة الأولى التي يُعلن فيها التنظيم عن عدد المشاركين في أي عملية له بشكل صريح، علماً أن أكبر عدد من المسلّحين المشاركين في عملية واحدة، كان في هجوم على دورية عسكرية للجيش الإسرائيلي، وشارك فيه حوالي 15 عنصراً.

وهدف التنظيم من خلال إعلان أعداد المشاركين في العملية، إلى الإشارة لزيادة مسلّحيه، والتأكيد أن الأعداد التي يعلن عنها الجيش حول مقتل عناصر التنظيم ليست صحيحة. ويوفر مبايعة "ولاية سيناء" لتنظيم "داعش"، غطاءً كبيراً لعملياته من ناحية انتقال المسلّحين إلى مصر للانضمام إليه.

وكانت مصادر جهادية مصرية، أكدت لـ"العربي الجديد"، قبل بضعة أيام رفض تنظيم "ولاية سيناء" انضمام بعض الشباب إليه أخيراً، كونهم في حاجة إلى تدريبات على حمل السلاح والمواجهات. وأضافت المصادر، أن "سيناء ليست ساحة تدريب الآن في ظل العمليات والاشتباكات المستمرة مع الجيش، وإنما ساحة قتال". وأضافت: "أغلب الشباب توجه إلى ليبيا للانضمام لفرع تنظيم داعش هناك، بحثاً عن تدريب مع احتمال العودة إلى مصر وتحديداً سيناء".

وتعكس كمية المتفجرات المستخدمة في الهجمات الأخيرة، وجود فائض مالي كبير لدى التنظيم، نظراً لكلفتها الباهظة، والتي ترتفع بحسب زيادة وزن التفجير، وفقاً لتقدير مصادر جهادية. ووفقاً لتلك المصادر، فإن "تجهيز السيارات المفخخة يحتاج أموالاً طائلة، فشراء المواد المستخدمة ليس سهلاً". وذكرت أن "عمليات التنظيم هدأت، قبل مبايعة داعش، لقلة الفائض المالي".

وما يعزز فرضية دعم "داعش" المالي لـ"ولاية سيناء"، أنه بعد أقلّ من 48 ساعة على هجماته على المقرّات العسكرية والأمنية، نفّذ مسلحون مجهولون، يُعتقد بانتمائهم للتنظيم نفسه، هجمات على نفس الكمائن، يوم السبت، وهاجم مسلحون كمائن في مدينتي رفح والشيخ زويد، بينهم ولي لافي والجورة، التي سبق مهاجمتهما في هجمات الخميس. وتأتي الهجمات الجديدة بعد بضع ساعات على خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي أعلن خلالها تشكيل قيادة موحدة لشرق القناة، لـ "مواجهة الإرهاب" بقيادة الفريق أسامة عسكر. وبدا أن هجمات السبت شكّلت تحدياً للسيسي والجيش المصري، عقب تصريحات العسكر بأن "هجمات الخميس جاءت ردّاً على نجاح الجيش في التصدي للإرهاب".

وبدأ استهداف الكمائن الثلاثة، يوم السبت، بالهجوم على كمين ولي لافي، ومحاصرته من جميع الاتجاهات، واستخدم المسلحون الأسلحة الثقيلة وبعض القذائف في الهجوم. ونشبت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وسط دفع القوات المسلحة تعزيزات إلى موقع الاشتباكات، للسيطرة على الوضع.

وفي المقابل، تمكنت قوات الجيش من تفجير سيارة مفخخة قبل وصولها إلى كمين الجورة بمنطقة الشيخ زويد، ومقتل قائدها، ونشبت اشتباكات بين مسلحين والجيش. ودوت انفجارات شديدة في رفح المصرية، عقب الهجمات على الكمين، وسط تأكيدات بأنها قصف عشوائي للجيش المصري لمواقع وسيارات يشتبه في تورطها بالهجوم.

وتحولت جماعة "أنصار بيت المقدس"، عقب مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى تنظيم "ولاية سيناء"، وارتبط اسمها بالعمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، منها تفجير خطوط الغاز إلى الاحتلال وبعضها إلى الأردن، قبل أن تتمدد وتظهر خلايا تابعة لها في عدة محافظات مصرية.

وتحوّل التنظيم لاحقاً، إلى جماعة تنفّذ عمليات قطع الرأس، كما حصل مع المدعو منيزل محمد سلامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الذي اعتبرته متعاوناً مع الموساد الإسرائيلي. وتكرر الأمر الشهر الماضي بقطع رؤوس أربعة ممن وصفتهم بـ"عملاء الموساد"، الذين كشفوا عن إحدى عمليات إطلاق صواريخ على الكيان الصهيوني.

وأطلقت الجماعة حملة "الثأر لمسلمي مصر"، في إشارة إلى عمليات القتل التي لاحقت أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بيد أن الارتباط بينها وبين جماعة "الإخوان المسلمين"، لا يمكن الاستدلال عليه، كون منهج الجماعات الجهادية يناصب جماعة "الإخوان" وفكرها، العداء.

المساهمون