جمهورية "شد الحزام" المصرية

جمهورية "شد الحزام" المصرية

12 مارس 2014
+ الخط -

 سامح الله فنان الشعب سيد درويش، فمنذ أن غنى "شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك" قررت السلطات في مصر اتخاذها شعاراً "تعصر" به المواطن، حتى بعدما فقد معظم ما يمكنه شد الحزام عليه!

منذ أن عرفت مصر ما سمي "الجمهورية"، وكلما أتاها خاطب وعد، وأفسح للشعب الأحلام، حتى إذا جد الجد، قال للناس "شدوا الحزام". نادى بها "ناصر"، واستخدمها "السادات" وتحدث عنها "مبارك"، وبشر بها "مرسي"، واستعطف بها "السيسي".. مع أنها كانت الواقع المستقر والمصاحب للمواطن دائماً.. ولم يعدم أحد هؤلاء حجة لذكرها ولو كان كائناً وهمياً سماه "الإرهاب"!

الطبيعي أنّ مثل هذه الكلمات تستخدم في وصف إجراءات تقوم بها الحكومات لمعالجة مشاكلها أو أخطائها، لكنها في مصر "ضمير مخاطب" لا يقصد به إلا "المواطن"، في الوقت الذي يمارس فيه المواطن هذه الهواية بالسليقة، فهو منذ حمل لقب "المواطن" في بلادنا "متقشف".

 برنامج غذائي 

الإفطار: (فول "1 جنيه"- زيت وملح وليمون "1 جنيه"- خبز "5 قروش"- شاي "50 قرش")، الإجمالي 2.55 جنيه

الغداء: (خضار "جنيهان"- مستلزمات الطبخ "1 جنيه"- أرز "50 قرشا"- سلطة "50 قرشا"– فاكهة "50 قرشا") الإجمالي 4.5 جنيهات

العشاء: (فول "1 جنيه" - زيت وملح وليمون "1 جنيه"- خبز "5 قروش"- شاي "50 قرش")، الإجمالي 2.55 جنيه.

وبحساب بسيط فإن إجمالي تكلفة 3 وجبات في اليوم للفرد أقل من 10 جنيهات، وهو ما يعادل 300 جنيه شهرياً، فإذا كانت الأسرة مكونة من 4 أفراد، فإن تكلفة الطعام لثلاث وجبات يومياً خلال الشهر تصل إلى 1200 جنيه، وجبات لا يمكن اعتبارها بأي حال متقشفة، لأنها في الحقيقة أدنى من حد التقشف بقليل.

هذه العملية الحسابية الغذائية البسيطة لا تتضمن لحوماً أو ألباناً أو أسماكاً أو حلويات، وتتجاهل ارتفاع الأسعار المتصاعد يوما بعد يوم والذي أصاب كل شيء.

وهي أيضاً لا تتضمن الكثير من احتياجات الحياة الأساسية، فلا تشمل ملابس ولا مواصلات ولا مدارس ولا دروساً ولا أطباء، والأهم من ذلك أنها لا تشمل سعر "الشموع" الضرورية.. حيث الكهرباء مقطوعة في العادة.

ما سبق.. جدول حسابي تداوله "مواطنون" مصريون على موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" بعد دعوة المشير عبد الفتاح السيسي (نائب رئيس الحكومة حتى الآن) المصريين إلى التقشف والاستعداد لأيام صعبة يجب أن يتحملوها معاً.

يعيش حوالى 40 بالمئة من المصريين تحت "خط الفقر"، ولا يتجاوز دخلهم اليومي "دولارين"، أو 12 جنيهاً مصرياً حسب تقرير حكومي، وهم يعتمدون في حياتهم على السلع المدعومة ويأتي في مقدمتها "الخبز"، الذي هو زادهم اليومي، لكنهم تلقوا دعوة من المشير تحثهم على التقشف والتحمل والتضحية.

 

أناديكم.. وأشد على أحزمتكم

وفي خطابه الذي أكد فيه السيسي أنه لن يعطي ظهره للوطن إذا طلب منه الترشح، دعا المصريين إلى "التقشف" و"شد الحزام" وتحمل أيام قد تكون "صعبة"، وطالب كلَّ مصري بالتفكير المبدع والتضحية "عشان يوفّر حاجة لبلده"، ووجّه سؤالاً إلى ضمير كل مصري يحب وطنه: "قبل ما تفطر انت سألت نفسك، عملت ايه للبلد؟".

وبعدما كان المصريون عند السيسي "نور عنينا"، إلا أنه ونظراً للمسؤولية المقبلة ومخاوفها، ولقسوة الواقع ورهبته.. صارح المصريين باستعداده: لـ"التضحية بجيل أو جيلين حتى تعيش بقية الأجيال" كيلا يلومه بعد ذلك أحد.

ولأن القادة عادة ما يكون نصيبهم من التضحية أكبر من تابعيهم، فقد افتتح السيسي في اليوم السابق على خطابه "نادي الجلاء 2" لضباط القوات المسلحة، حيث للتقشف طعم آخر، فهو للأسف لا يضم سوى منتجع وقاعة مؤتمرات وملاه مائية عملاقة، لا تساعد الضباط إلا على تحقيق الحد الأدنى من التقشف!

وتداول نشطاء على الفايسبوك صوراً من تقشف قيادات الدولة على مائدة طعام شهية تحلّق حولها قرابة العشرة أشخاص، منهم وزراء الدفاع والداخلية وغيرهم، متقشفين، فلم يجلس كلّ منهم على مائدة خاصة بوليمته، بل اجتمعوا على مائدة واحدة توفيراً "من أجل مصر".

وفي الوقت الذي تتزايد فيه حدة ما يسمى "الاحتجاجات الفئوية" المطالب أغلبها برفع الأجور في وقت يخضع "الحد الأدنى والأقصى للأجور" لجدل يجعله محل توظيف سياسي لدى كل حكومة جديدة.

ويعاني المصريون من ارتفاع مطّرد في أسعار السلع والخدمات، ولا يبقى على حاله "شكلًا ومعنى" إلا ما يتلقونه من راتب نهاية كل شهر ليستدعي مع تسلّمه معاناة عدم وفائه بالالتزامات.

 

تقشف ناس وناس!

في الوقت الذي تؤمن السلطة في مصر جانبها بزيادات رواتب من يحمونها، فإن المؤسسات الوحيدة التي حافظت على معدلات مستقرة في زيادة الرواتب في مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية هي المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ضباط وجنود القوات المسلحة حازوا زيادات في رواتبهم ثلاث مرات منذ ثورة يناير/كانون الثاني، كان آخرها في نهاية العام الماضي بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور، ووصلت نسبة الزيادة في إحدى هذه المرات إلى 50 بالمئة.

أما جهاز الشرطة فتوالت زيادة رواتبهم ومازالت، فحصلوا على حافز إثابة 200 بالمئة على الراتب الأساسي، ورفع قيمة الحوافز المالية لأفراد هيئة الشرطة بنسبة 100 بالمئة، وأقر لهم "بدل خطر" بنسبة 30 بالمئة من الراتب الأساسي، كما مُنح العاملون المدنيون في وزارة الداخلية بدل خطر بنسبة 20 بالمئة من الراتب الأساسي، مع بعض الإضافات الأخرى، لتصل نسبة المكافآت إلى 300 بالمئة حسب قانون الشرطة الجديد.

وقائمة الجهات التي تعتبر من "محاسيب الدولة" الذين تجري مراعاتهم والحفاظ على رضاهم قد تطول لوائحها، وإن قل عدد أفرادها، وهو الأمر الذي لم يسلم من تندر المصريين عليه، كما هي عادتهم مع الأمور التي لا يستسيغونها ولا يملكون لها رداً، فقال بعضهم إن ثورة يناير– حين كان هناك يناير- حققت أهدافها بتحقيق "العيش والعدالة للجيش والشرطة".

دلالات