موسكو مطمئنة لاقتصادها رغم مضايقات الغرب

موسكو مطمئنة لاقتصادها رغم مضايقات الغرب

26 يناير 2015
بوتين ورئيس وزرائه ميدفيديف (Getty)
+ الخط -
هل صحيح ما قاله الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن الاقتصاد الروسي حين وصفه الأسبوع الماضي، بالممزق أو الـ "أشلاء"، في سياق مقارنة تجعل انهيار الاقتصاد الروسي إنجازاً أميركياً؟ أم أن مؤشرات الاقتصاد الروسي تقول غير ذلك، وأن الحديث عن الانهيار يعبر عن رغبات سياسية أبعد عن الواقع الاقتصادي؟
وتستعد وكالة فيتش، ووكالة ستاندر آند بورز، لخفض تصنيف روسيا الائتماني إلى مستوى "غير مرغوب فيه". بينما ترى السلطات الروسية أن هذه التقديرات غير موضوعية ومن شأنها أن تصعّب تقويم الجدارة الائتمانية للمصارف وفق معايير البنك المركزي الروسي.
ووفقاً لما جاء على موقعه الرسمي، فإن بنك روسيا المركزي لن يهتم لتصنيف هذه الوكالات وأيضاً، وكالة "موديز"، للوضع الائتماني للمصارف الروسية بعد الأول من مارس/آذار 2014، أي بعد انضمام القرم إلى روسيا الاتحادية، ملمحاً من خلال ذلك إلى البعد السياسي للتصنيف المعتمد من هذه الوكالات.
وقبل يومين، نقلت صحيفة أخبار المال "فيستي فينانس"، عن الرئيس فلاديمير بوتين قوله، أثناء اجتماعه مع الحكومة الروسية: "لقد اقتنعنا أنه على الرغم من استقرار قواعد العلاقات الاقتصادية الدولية، فهي في الواقع تخضع للتآكل تحت ضغط العوامل السياسية".
وأضاف: "وهذا بالنسبة لنا أيضاً درس، ينبغي أن يدفعنا لتعزيز سيادتنا في المجال الاقتصادي. ولكن مع البقاء بطبيعة الحال، جزءاً عضوياً طبيعياً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي".

وفي هذه الأثناء، نشر البنك المركزي الروسي ميزان مدفوعات روسيا للعام 2014، فتبين أن حساب العمليات الجارية إيجابي ويبلغ 56.7 مليار دولار؛ وأن الميزان التجاري حقق فائضاً بمقدار 185.6 مليار دولار سنة 2014. فهو على الرغم من انخفاض أسعار النفط وتراجع صادرات الغاز والعقوبات والضغوط الاقتصادية، حقق زيادة بمعدل 2% عن سنة 2013؛ علماً بأن الرقم الرسمي لصافي تدفق الأموال إلى خارج البلاد، بلغ سنة 2014 حوالى 151 مليار دولار، أي بما يتجاوز مرتين ونصف عن عام 2013.
لكن بالرغم من أن مراقبين يتحدثون عن تدفق غير مسبوق، بل صادم، للأموال من روسيا، إلا أن هناك من يرجع الأرقام إلى أسبابها ولا يرى أنها كارثية كما تبدو للوهلة الأولى.
ويقول قسطنطين غوردجييف، الدكتور في العلوم الاقتصادية وكبير مستشاري الاقتصادات الكلية في مركز البحوث الاقتصادية "أي بي إم"، إن المحللين الغربيين تجاهلوا بعض التفاصيل المهمة حين هوّلوا مسألة تدفق الأموال من روسيا، متجاهلين أن نسبة كبيرة من هذه الأموال حُوّلت رسمياً لتسديد الديون، وليست أموال مستثمرين وودائع هربت من السوق الروسية.
وتجاوز تسديد البنوك الروسية للديون الخارجية في الربعين الثالث والرابع من 2014، نحو 45.3 مليار دولار، وتجاوز تسديد الدين الخارجي بالنسبة لقطاع الشركات رقم 72.6 مليار دولار. أي أن 118 مليار دولار من المبلغ الإجمالي للأموال الروسية التي تدفقت للخارج، استخدمت لتسديد الديون ولم تهرب من البلاد، وذلك يعادل 78% من الرقم (الكارثي) لخروج الأموال من روسيا. وبالتالي فالحديث عن هروب المستثمرين وسحب المودعين أموالهم، إنما يستخدم أداة سياسية لمفاقمة الوضع الاقتصادي الروسي.
وهكذا، انخفض حجم الدين الخارجي الروسي سنة 2014، بحدود 130 مليار دولار، وبقي الميزان التجاري يميل لمصلحة روسيا بوضوح.
وتراجع الدين الخارجي الروسي بمحصلة العام 2014 حوالى 18% إلى 599.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 728.9 مليار دولار في بداية العام.
وكان ذلك في حدود التقديرات الأولية التي وضعها البنك المركزي الروسي، وفق البيانات التي وردت على موقعه الرسمي. كما انخفض دين إدارات الدولة من 61.7 إلى 41.5 مليار دولار. وديون الاتحاد السوفياتي السابق، تراجعت من 2.01 إلى 1.77 مليار دولار.
وتراجع دين البنك المركزي هذه السنة إلى 10.4 مليارات دولار مقارنة بحوالى 16 مليار العام الذي سبقه. كما تراجعت ديون المصارف الروسية من 214.4 إلى 171.1 مليار دولار.
إلى ذلك، فقد تراجعت ديون الشركات الروسية أمام الدائنين الأجانب من 436.8 إلى 376.5 مليار دولار.

الذهب بدل الدولار

تستمر روسيا بصورة مدروسة في تخليها عن الدولار. وهي في إطار سياستها هذه تشتري الذهب بصورة متزايدة، بالتوازي مع تخلّيها عن استثماراتها في أوراق الخزينة الأميركية. فوفقاً لمعطيات الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 بلغت كمية الذهب في البنك المركزي الروسي 38.2 مليون أوقية (أونصة)، ارتفعت في الأول من يناير/كانون الثاني 2015 لتبلغ 38.8 مليون أوقية. علماً بأن البنك المركزي الروسي استمر طوال العام الماضي بشراء الذهب، مقابل انخفاض احتياطات روسيا بالدولار بصورة متواترة من 510.5 مليارات دولار في يناير/كانون الثاني 2014 إلى 388.5 مليار دولار في 2 يناير/كانون الثاني 2015، ثم إلى 386.2 مليار دولار في التاسع منه، وإلى 379.4 مليار دولار في السادس عشر منه.
وفي سياق تخليها عن الدولار ودعم عملتها المحلية، أعلنت وزارة المالية الروسية عن تحويل محتويات صندوقها الاحتياطي إلى الروبل قبل نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.
ويبدو أن موسكو تجد سنداً يعزز مقاومتها الضغوط الاقتصادية لدى الجار والشريك الصيني. وقال وانغ تشاو شينغ، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني لإدارة الأوراق المالية، إن العقوبات المفروضة من الدول الغربية على روسيا، ربما تخلق صعوبات اقتصادية مؤقتة لها، ولكنها ليست في وضع يمكنها من التأثير على تطوير التعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا والصين.
وعلى العكس من ذلك، ترى الصين، أنه يمكن لهذه العقوبات فتح مساحة كبيرة جداً بالنسبة للتعاون التجاري الاقتصادي مع روسيا.

المساهمون