39 عاماً من الاختفاء القسري

39 عاماً من الاختفاء القسري

11 ابريل 2014
تنتظر ابنها منذ العام 1989 ولم تمل (دجى داود)
+ الخط -

يشنّ قادة الميليشيات حروباً لأجل مصالحهم الشخصيّة. لا يأبهون لما قد يحصل للناس. تقسو الحرب على المدنيين. أولئك الذين يتهجّرون نتيجة قرار الميليشيات بإشعال بلد بأكمله دون السؤال عن حالهم، هم الضحايا الأساسيون. في الحرب، تهجير وذبح وجوع. وفي الحرب أيضاً، خطف على الهويّة.

بعد 39 سنة على بدء الحرب الأهليّة، لا يزال هناك أهل لا يعرفون شيئاً عن أولادهم. لا ينسى أهالي المخفيين قسراً من فقدوهم. لا يزال الأمل موجوداً في نفوسهم. ربّما هم أحياء؟ ربّما معتقلون؟ ربّما تتحرّك الدولة اللبنانيّة أو تعطف الدولة السوريّة وتقول أين هم؟ ربّما يعيدون جثثهم؟ أي شيء؟


نصب أهالي المخفيين خيمة أمام مقرّ الأمم المتّحدة في وسط بيروت (الإسكوا) منذ تسع سنوات. علّقوا عليها ما ملّوا من تكراره أمام وسائل الإعلام، والمناشدات للمسؤولين التي سئموا طلبها وعدم الوصول إلى ردّ حتّى. تسأل إحدى اللافتات "إلى متى يا منافقين؟". تقول لافتة أخرى: "حرام عليك يا بشار. أكثر من ربع قرن في السجون السوريّة". على الخيمة أيضاً، صورة "بطاقة هويّة" قائد الجيش المصريّ السابق، عبد الفتاح السيسي. علّقها أحد أهالي المخفيين، فهو من أصل مصريّ، ويملك الجنسيّة اللبنانيّة. هو يعتبر أنّ السيسي "صاحب الفرص الأكبر ليصبح رئيس مصر القادم". يقول الرّجل: "ربّما يقوم السيسي بتحريك الملفّ بعد سنوات من عدم تحرّك الدولة اللبنانيّة؟".

يحاول بعض الأهالي الوصول إلى معلومات عن أبنائهم، لكنّها تكلّفهم ثروات طائلة. بعض الأهالي، يعرفون أنّ أولادهم معتقلون في السجون السوريّة. والبعض الآخر، يعرف أنّ أقرباءه نقلوا بطريقة غير شرعيّة إلى إسرائيل، التي اعتقلتهم. كما يعرف الأهالي بوجود مقابر جماعيّة في مختلف أنحاء بيروت. الأمر ذاته تعرفه الدولة اللبنانيّة، لكنّها لم تسمح للجنة الدوليّة للصليب الأحمر بالتفتيش عن الجثث في الأماكن التي يُعتقد أنّ فيها مقابر.
أصبحت الخيمة جزءاً لا يتجزّأ من حديقة "جبران خليل جبران". تتعاطى "الإسكوا" معها كأنّها شيء عاديّ. حتّى الدولة اللبنانيّة نسيت أنّ هناك خيمة لأهالي المفقودين. يناشد الأهالي الدولة اللبنانيّة منذ عشرات السنين لكي تتحرّك رسمياً في ملفّهم. لم يجدوا جواباً جدياً. شكّلت الحكومة اللبنانيّة لجنة وزاريّة عام 2000. أصدرت الأخيرة تقريراً حول المخفيين ورفضت تسليمه لأهاليهم.

اليوم، عاد أهالي المخفيين إلى الخيمة. وبعضهم لا يفارقها أصلاً. توفّي بعض الأهالي خلال سنوات انتظار عودة أبنائهم. كان آخرهم أوديت سالم، التي رقدت دون أن تعرف مصير ولديها، ريشار وماري كريستين، اللذين اختطفا على أيدي الميليشيات خلال الحرب الأهلية. وجّه الأهالي في اعتصامهم اليوم تحيّةً لروح أوديت. أكّدوا أنهم مستمرّون في القضيّة.
تحمل لينا صورة أخيها إسكندر زخريا وترفعها أمام الكاميرات. لعلّ أحداً، يعرف أيّة معلومة عنه، يرى الصورة؟ اختطف زخريا في  عام 1985. تروي لينا أنّ "مجموعة حضرت إلى منزلهم واصطحبت إسكندر قائلةً أنّ ذلك لتوجيه بعض الأسئلة له". لكنّ إسكندر لم يَعُد منذ ذلك الحين. زخريا حائز ماجستيراً، وكان يعمل في أحد المصارف حينها. تؤكّد لينا أنّ "تحرّيين تابعين للدولة اللبنانيّة حضرا إلى منزل العائلة منذ حوالي 6 سنوات، وأكدا أنّ أخاها موجود في السجون السوريّة".

شدّد الأهالي في الاعتصام على ضرورة تشكيل هيئة وطنيّة للسعي إلى معرفة مصير ضحايا الإخفاء القسري، على أن تعنى بإيجاد حلّ عادل للقضيّة. ناشدت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين، وداد حلواني، الدولة اللبنانيّة استلام ملف التحقيق الخاص بالمخفيين، كما نصّ قرار مجلس شورى الدولة باسم الشعب اللبناني. من جهته، أعلن النائب غسان مخيبر أنّه سيتقدّم يوم الإثنين باقتراح قانون لتشكيل الهيئة المستقلة لاستعادة من هم على قيد الحياة من المخفيين وإلا استعادة رفاتهم.

العدالة الاجتماعية الانتقالية هي الأسلوب الوحيد للخروج من الحرب. لم يحصل ذلك في لبنان. وطالما بقي موضوع المخفيين قسراً معلّقاً، فلن يستطيع البلد أن ينتقل إلى فترة ما بعد الحرب. سيبقى هناك أشخاصٌ يريدون الثأر ممّن أخفى واختطف أقاربهم. بلا العدالة الانتقالية، لن تنتهي الحرب الأهليّة. لم تنتهِ الحرب الأهليّة اللبنانيّة.