بريجيت وماكرون.. وآخرون

بريجيت وماكرون.. وآخرون

12 مايو 2017
+ الخط -
قصة حب إيمانويل ماكرون وبريجيت، منذ كانت بين فتىً في الخامسة عشر عاما ومدرّبته في دروس المسرح، لا تجذبنا إلى تفاصيلها التي صارت ذائعةً فحسب، وإنما أيضاً إلى خصوصيةٍ فرنسية، يبدو أنها تقترن بمن يقيم في "الإليزيه" رئيساً، فكأن من شمائل هذا الرئيس أن يكون عاشقاً أو معشوقاً أو بيْن بيْن أو "نسونجياً"، أو أقلّه صاحب قصصٍ، سرّية أو مكشوفة، مع النساء. ولمّا كانت صلةُ الحب بين الرئيس الجديد وزوجته غيرَ تقليديةٍ، بالنظر إلى أن السيدة الأولى تكبر بعلَها بنحو ربع قرن، ولمّا كانت أسرتهما "غير كلاسيكية"، على ما وصفها ماكرون نفسه، فإن حكايتهما، الشائقة بلا شك، تُغاير ما أقام عليه أسلافُ الرئيس الفائز أخيرا، إذ ثمّة فائضٌ من الاستقامة المشتركة في الحب الذي فيها، وثمّة اتفاق طرفيها على أن لا يُنجبا، وثمّة، قبل هذا وغيره، أن ماكرون يبدو من منتوج زوجته التي تعلقت به إبّان كانت زوجة صيرفي، وكان تلميذَها في المدرسة، وظلا على ذلك الحب أربعة عشر عاما، قبل أن يصيرا زوجيْن حبيبيْن. إنها التي تحرّر خطاباته، وتُجدول لقاءاته، وتشحنه بالنصائح، وتحضر اجتماعاته مع الآخرين أحيانا، وذلك كله، وكثيرٌ غيره، يعني صحة قوله إنه لولا بريجيت لما كان ما هو عليه. 

القصة تنويعٌ مضادٌ لقصص الحب والطلاق والعلاقات السرية والغراميات التي كان فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي وجاك شيراك وفرانسوا ميتيران وفاليري جيسكار ديستان أبطالَها. كشف شغفُنا، نحن العرب، بمعرفة تفاصيلها أنها أجدى بالاكتراث من السياسة والاقتصاد لدى ماكرون. وبدا لكثيرين منا أن في دلوهم ما يدلون به في "جدالٍ" بشأن ما إذا كان سوياً أم غير سويّ أن تحبَّ امرأةٌ ولدا يافعا، وأن تكبره أربعةً وعشرين عاما وهي زوجةٌ له. ونحن معذورون في هذا، فالرئيس المنتخب يستفزّنا في كل ما يتعلق به، شبابُه وصعوده السريع ونجوميته التي أقصت ضفّتي اليمين واليسار في بلاده. وأيضا في قوله، يوما، لمعلّمته المسرح، إنه سيتزوجها مهما فعَلت، عندما وَقَعت "تحت سحر ذكاء هذا الصبي الصغير"، على ما صرّحت أم الأبناء الثلاثة وجدّة الأحفاد السبعة، الستينية الشقراء، زرقاء العينين، الذكيّة ولا بد.
هذا غير مسبوق، لا شيء منه في سير السابقين ممن رأسوا فرنسا. أحبّ ديستان الأميرة البريطانية ديانا، صدورا عن إعجابٍ وغوايةٍ بها على الأغلب. كتب عن "غرامه" بها روايةً سمّاها "الأميرة والرئيس"، الخيالُ فيها كثير، على ما قرأنا عنها، وأحسب أن أحدا لم ينقلها إلى العربية. قال إنه، في عمله (الأدبي) هذا، حاول أن يعبّر عن غرامه بعشيقةٍ له. لا تتوفّر بالعربية إحاطةٌ شافية بغراميات هذا الرجل الذي ترأس فرنسا سبع سنوات، وهو الذي وصف نفسَه مرّة بأنه صاحب غراميات. أمرُه غير أمر خلفه ميتيران الذي انعقدت له زعامةٌ استثنائيةٌ في بلاده. كتب 1200 رسالة حب، في 33 عاما، إلى عشيقته التي أنجب من علاقةٍ سرّيةٍ معها ابنته المُعلنة لاحقا، وكان في الأثناء متزوّجا. عشق المغنية داليدا وصحافية سويدية وأخريات، كما أحبّ دانييل التي تزوجها، وكان قد كتب إليها ثلاثة آلاف رسالة. غريبٌ شأن هذا الرجل الذي عدّ من ثعالب السياسة في فرنسا، كيف كانت تحوّلات مزاجه. أما "الدونجوان" جاك شيراك، على ما بولغ في وصفه، فالنجمة الإيطالية، كلوديا كاردينالي، واحدةٌ ممن أحبّ، وكذا صحافية في "لوفيغارو". وثمّة زيجات تلميذه، ساركوزي، وطلاقاته وعلاقاته السرية، أولا زوجته أمّ ولديه الأوليْن، ثم زوجة صديقه التي "اشتهاها"، وأقاما على غرامٍ انتهى إلى زواج لم يستمر، قبل أن تطرأ أمّ ولده الأحدث، الإيطالية كارلا بروني. على نهجٍ مشابهٍ ومغايرٍ معا، أحبّ هولاند غير مرة، وهو الذي لم يتزوّج أبدا، على الرغم من علاقاته النسائية غير القليلة، وأولاده الأربعة من سيغولين رويال.
لا صلة لإيمانويل ماكرون بهذا الأرشيف، لا يبدو على محيّاه أنه مولعٌ بغرام النساء وكيفما اتفق. يظهر منضبطا وآدميا. يقول إنه ليس ثمّة غير الحب في علاقتهما، هو وبريجيت. ولكن، من يدري، المستقبل قدّامه، وثمّة السلطة وما بعدها، ويحدُث أن يشيخ الحب، ويحدُث أن تعبُر في الإنسان نزواتٌ لم يأذن لها، ولم يتدبّر لمفاجآتها أمرا.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.