متى ينصفونه؟

متى ينصفونه؟

14 مايو 2017
كونتي يعيد تشلسي لمنصات التتويج (Getty)
+ الخط -

 

هو ليس رجل إعلام، ولا أضواء، ولا رجل تصريحات نارية أو رجل إعلانات وبروباغندا، هو بكل بساطة رجل "يعشق رائحة العشب الأخضر".

كان هذا جوابه بعد أن سُئِل عقب يورو 2016، عن سبب قراره الرحيل عن المنتخب الإيطالي وقبوله صفقة تدريب نادي تشلسي الإنكليزي، أجاب وقتها: اشتقت لرائحة العشب اليومية.

عندما استلم أنطونيو كونتي مهام تدريب يوفنتوس، كان الفريق قابعاً في المركز السابع في الموسمين اللذين تليا عودته من الدرجة الثانية، بعد رحيل أبرز الأسماء والنجوم، وفترة تخبّط بين مدرّبين كُثر مرّوا على الفريق، استلم كونتي فريقاً هشاً فاقداً للروح والشخصية.

في موسمه الأول مع يوفنتوس، وفي تصريحٍ له، قال كونتي "سأعيد يوفنتوس الذي يكرهه الجميع"، قاصداً بذلك يوفنتوس القوي الذي لا يُقهر. وكان رجل كلمته. أعاد يوفنتوس القوي المحارب، ضخ الدماء في عروق النادي وأعاد له ولعشاقه الروح والعزيمة.

بنى فريقاً من الصفر، أعاد اكتشاف لاعبين كان قد أفل نجمهم، واكتشف مواهب جديدة لم تكن معروفة، وأعاد الثقة لنجوم الفريق القدامى. في موسمه الأول، عاد كونتي بيوفنتوس إلى زعامة الدوري المحلي، وإلى محافل دوري الأبطال، مع فريق بأسماء خط هجومٍ متواضعة، مقارنة بأسماء نجوم الفرق الأخرى حينها، خاصة بايرن ميونخ، الذي أخرج يوفنتوس من دور ربع النهائي، ليحقّق بعدها لقب دوري الأبطال من نفس الموسم.

رحل كونتي عن يوفنتوس بعد تحقيق ثلاثة مواسم ناجحة، احتل فيها صدارة الكالتشو، محققاً أرقاماً قياسية سيصعب كسرها مع أي مدرّب آخر، وتاركاً خلفه "كتيبة" لاعبين وفريقاً صلباً لا يزال يتربّع على عرش الكرة الإيطالية حتى اللحظة. رحل كونتي عن يوفنتوس، بعد أن أعاد له هيبته وزعامته المحلية.

استلم بعدها مهام تدريب المنتخب الإيطالي، خلفاً لتشيزاري برانديلي، ومرة أخرى، استلم فريقاً هشاً فاقداً للهوية والروح.

بداية الأمر، واجه كونتي صعوبات جمّة حين استلم زمام الأمور مع المنتخب، أوّلها كان من الأندية، التي كانت ترفض التجاوب معه وتزويده باللاعبين الذين يطلبهم للمنتخب، وثانيها كان في عدم قدرته على إيجاد لاعبين إيطاليين جيدين في صفوف الأندية الإيطالية، ما اضطره إلى استدعاء لاعبين "بمستويات متواضعة" من أندية خارج الدوري الإيطالي، مثل سيباستيان جوفينكو من الدوري الأميركي، وستيفان شعراوي الذي كان مع موناكو الفرنسي حينها، وغراتسيانو بيلّي، الذي كان يلعب مع ساوثمبتون الإنكليزي وقتها.

تمكّن كونتي من ضمان التأهل إلى اليورو بوقتٍ مُبكر، وبدأ بإعادة الروح والشخصية إلى الأتزوري، لكنه عاد ليواجه تحدياً صعباً جديداً، وهو إصابة عدد من اللاعبين الأساسيين للمنتخب قبل انطلاق اليورو، الأمر الذي جعل الجميع يراهن على فشله مع المنتخب، وفشل المنتخب في يورو 2016. لكن ما فاجأ الجميع وقتها أن كونتي لم يتمكّن فقط من خلق فريقٍ قوي متماسك على الرغم من النقص الكبير في صفوفه، لكنه أيضاً قدّم إحدى أجمل نسخ المنتخب الإيطالي، حتى أن البعض وصف إيطاليا كونتي، بأنها الأجمل على الإطلاق.

خلال اليورو تعاقد كونتي مع نادي تشلسي الإنكليزي، ومرة جديدة، يرحل عن فريق كان فاقداً للروح والهوية، بعدما أعاد له هيبته وسمعته، التي لم تكن محلية فقط، هذه المرة كانت هيبة أوروبية.

أما المهمة الثالثة الصعبة في مسيرته كمدرّب، فكانت استلام مهام تدريب فريق شبه منهار، يقبع في المركز العاشر، مع رئيس لا يتوانى عن إقالة أي مدرّب حتى ولو أحرز له دوري الأبطال قبل ستة أشهر فقط.

وعلى الرغم من كل الرهانات على فشله، لكن لم يأخذ الأمر من أنطونيو الكثير ليتمكّن من إيجاد "خلطته الخاصة" التي سيعتمدها في الدوري الإنكليزي، بعد بداية لم تكن تبشّر بالخير، تحلّى كونتي بالشجاعة الكافية وأثبت "نضجاً" تدريبياً حين قرّر تغيير أسلوبه المفضل من 3-5-2 إلى 3-4-3، ومنذ اعتماده تلك الطريقة، سيطر كونتي على الدوري الإنكليزي، الذي يضم نخبة من أشهر وأقوى وأهم المدربين هذا الموسم، وليس هذا فقط، بل حقّق أيضاً أرقاماً قياسية سيصعب كسرها بسهولة.

في إنكلترا، وضع أنطونيو كونتي اسمه على خارطة المدرّبين الأفضل في العالم، وأصبح أكثر المراهنين على فشله بداية الموسم، يتغنّى باسمه الآن، لكن لا يزال هناك من يعتقد أن كونتي ليس مدرباً من طينة الكبار، وأن نجاحه مع تشلسي كان بسبب غياب البلوز عن البطولات الأوروبية، مع العلم أن كونتي لعب موسماً كاملاً بتشكيلة أسماء صغيرة، وكان يواجه خطر الإصابة في كل مباراة لأنه بكل بساطة لم يكن لديه بدلاء للاعبيه في الفريق.

على الرغم من أنه في كل مرة يستلم مهام تدريب فريق، يكون فريقاً متعباً ضعيفاً فاقد الهوية والشخصية والروح، ومع أنه يبني الفريق ويعمل على شخصية اللاعب وخلق روح الجماعة عند اللاعبين، إلا أن هناك من يذهب بالقول إن كونتي ليس من المدربين الكبار لأنه ببساطة لم يحقّق دوري الأبطال بعد، الأمر الذي يجعل من يورغان كلوب وآرسين فينغر مثلاً مدربَين عاديَين، ومن روبرتو دي ماتيو مدرباً عظيماً!

في كل مهمة استلمها أنطونيو كونتي، أثبت أنه مدرّب كبير، وأنه "رجل" بالإمكان الاعتماد عليه. هو يعرف ماذا يريد، يحرّكه شغفه وجنونه الذي اشتهر به منذ كان لاعباً. وعلى الرغم من تفاوت الآراء حوله، إلا أن الجميع، "الجميع"، سينتظر مشاهدة ماذا لدى أنطونيو كونتي الموسم المقبل.

لمتابعة الكاتبة.. https://twitter.com/ShifaaMrad

المساهمون