يوم العمل الإنساني... صونيا المسعد عينة من التضحيات في مناطق الصراع

يوم العمل الإنساني... صونيا المسعد عينة من التضحيات في مناطق الصراع

19 اغسطس 2020
كورونا زاد أزمة اليمن الإنسانية تفاقماً (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

يُحتفل في التاسع عشر من أغسطس/ آب من كلّ عام باليوم العالمي للعمل الإنساني. وخصص هذا اليوم للاحتفال بأولئك الذين قد يدفعون حياتهم ثمناً لمساعدة الآخرين لا سيما في مناطق الحروب والصراعات

بالترافق مع احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للعمل الإنساني، اليوم الأربعاء، تشير بياناتها إلى تسجيل 277 هجوماً على مؤسسات إنسانية وقوافل وعاملين في المجال الإنساني عام 2019. وأدى ذلك إلى مقتل وجرح وخطف 483 عاملاً من عمال الإغاثة، هم 125 قتيلاً، و234 جريحاً، و124 مختطفاً. ووقعت معظم الهجمات في سورية، ثم جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن ومالي. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى وقوع أكثر من ألف هجمة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمنشآت الطبية، مما أدى إلى مقتل 199 شخصاً وجرح  628 شخصاً يعملون في القطاع الصحي. وتشير الأمم المتحدة إلى أنّ الأرقام الحقيقية أعلى بكثير. واحدة من هؤلاء الذين يعملون في مجال الإغاثة الإنسانية في ظروف صعبة ويقدمون جهوداً استثنائية هي السورية صونيا المسعد. عملت المسعد لسنوات طويلة مع منظمات دولية معنية بالعمل الإنساني والهجرة قبل أن تنضم للعمل في صفوف مكتب الأمم المتحدة لتنظيم المساعدات الإنسانية (أوتشا) عام 2016 في سورية، ومنذ عام 2019 في اليمن. ولم تكن المهام الملقاة على عاتقها سهلة، بل كانت مع فريقها من العاملين على الأرض، مسؤولين عن التفاوض لإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، بما فيها مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية.

مخاطر كثيرة
ولا تكمن الصعوبة في الظروف الخطرة التي يجري العمل في إطارها فحسب، بل كذلك بسبب نوعية العمل لما يتطلب من تنسيق على أكثر من صعيد ومفاوضات مضنية مع جميع الأطراف النافذة في أيّ منطقة صراع، كالأنظمة والجهات العسكرية أو التي لها نفوذ على الجماعات المسلحة، ناهيك عن المفاوضات مع الجماعات المسلحة نفسها، بالإضافة إلى التنسيق بين منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة العاملة في المجال الإنساني. ويتضمن العمل، الحافل بالمخاطر على الأرض، كذلك، مسحاً للاحتياجات الإنسانية، والتأكد من وصول المساعدات للمحتاجين والدخول إلى تلك المناطق والمسؤولية عن سلامة فريق العاملين معها. ويضاف إلى تلك التحديات كون صونيا امرأة تعمل في بيئة حرب وتكون أحياناً المرأة الوحيدة ضمن فريقها كما أنّها في موقع مسؤول. وأن تكون المرأة الوحيدة التي تفاوض وأن تتبوأ موقعاً قيادياً فهو أمر غير عادي بالنسبة لكثيرين، وهي تجربة، من دون شك، مختلفة ومؤثرة. 

الصورة
صونيا المسعد- من أرشيفها

حصلت المسعد وفريقها على جائزة أوتشا السنوية للتميز لعام 2018 لتنظيم قوافل المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان. يومها اضطرت مع فريقها للتفاوض لقرابة عام للحصول على التصاريح والتمكن من الدخول إلى المخيم الذي كان يعيش فيه قرابة ثمانين ألف سوري عالقين بين الأردن وسورية والعراق. والتفاوض والتنسيق شمل جميع الجهات التي لها نفوذ في تلك المنطقة من بينها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، والسلطات الأردنية، والسلطات السورية، وخمس مجموعات مسلحة على الأرض، كما مجالس محلية داخلية تدير شؤون الناس في وقت لم يكن معروفاً ما الذي يحدث داخل المخيم وحجم الاحتياجات من مصادر مستقلة. وكان على المسعد وفريقها اتخاذ القرارات حول نوعية وحجم المساعدات قبل الدخول.
في مقابلة خاصة بـ"العربي الجديد" تقول عن تلك التجربة: "عندما تمكّنا من الدخول إلى المخيم، مع منظمات إنسانية أخرى كالهلال الأحمر، كان قد بقي فيه قرابة خمسين ألف نازح. كانت عملية المفاوضات مضنية وأخذت قرابة سنة كي نحصل على الضمانات الضرورية. وعندما دخلنا لأول مرة بقينا ستّ ليال". تضيف: "نام الفريق إلى جانب هيكل بناء مهدم حيث استعنا بأغطية من النايلون لتغطية جزء منه، كما كانت معنا بعض الخيام البسيطة، فيما مجموعة أخرى من بيننا نامت في السيارات. في الصباح كنا ننطلق إلى المجمعات السكانية بالمخيم لنفرغ الشحنات ونقوم بعمليات مسح تقييمي للأوضاع والاحتياجات".

شباك وباب ولمبة 
تتابع المسعد: "يصعب وصف الأوضاع الإنسانية لعدد كبير من النازحين. الظروف المعيشية قاسية جداً، حتى بالنسبة لنا، إذ سمح لنا بالبقاء لقرابة أسبوع فقط، فما بالك بمن يعيشون هناك لسنوات شبه منقطعين عن العالم من دون إمكانات مادية عند أغلبهم؟". وتقول: "ثم دخلنا مجدداً بعدها بأربعة أشهر مع فريق مكون من قرابة 300 شخص بمن فيهم سائقو الشاحنات، كما عدد من المنظمات الإنسانية الأخرى". 
تعطي مثالاً عن أحد المواقف التي عايشتها: "أقمنا نقطة تطعيم بالقرب من أحد بيوت سكان المخيم الذين كانت أوضاعهم أفضل من الأغلبية الساحقة. كان مهماً بالنسبة لنا الحصول على الكهرباء كما كانت هناك مساحة يمكن أن نجمع الناس فيها. البيت كان بسيطاً بمقاييس البيوت العادية. إحدى الأمهات التي جاءت لتطعيم ابنها وقفت أمام البيت المبني من الطين وكانت تشرح له ما معنى شباك وباب ولمبة... عليكِ أن تتخيلي أنّ هناك أطفالاً ولدوا وهم لا يعرفون معنى هذه الأمور البديهية. يعيشون في الخيام طوال الوقت في ظروف إنسانية صعبة وقاسية جداً". تعلق أنّ هذه الحادثة، وغيرها، تركت لديها أثراً كبيراً.

الصورة
صونيا المسعد- من أرشيفها

تؤكد المسعد أنّ نوعية العمل الإنساني والخدمات التي تقدم وطريقة العمل تختلف ليس فقط من بلد إلى آخر بل حتى من منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد. انتقلت المسعد للعمل من سورية إلى اليمن في عدد من المواقع والمسؤوليات وهي المرأة الوحيدة ضمن طاقم "أوتشا" على الأرض في اليمن حالياً. وعن تجربتها في سورية تقول: "عملي في سورية ركز على المناطق المحاصرة وتلك التي يصعب الوصول إليها. وهذا يعني أنّ دخولنا إلى تلك الأماكن كان لأيام محدودة وفترة قصيرة وكان علينا الخروج مباشرة بعد تقديم المساعدات والقيام بعمليات مسح وتقييم للوضع على الأرض والاحتياجات الإنسانية وغير ذلك". أما عن اليمن فتضيف: "منذ وصولي إلى اليمن في إبريل/ نيسان 2019 وبدء عملي في إب ثم الحديدة والمناطق المحيطة بها، فإنّ عملنا يواجه تحديات أخرى لعلّ أبرزها التمويل". 

التفتوا إلى اليمن
تشدد المسعد على ضرورة أن يلتفت العالم إلى اليمن والحاجة الماسة التي يعيشها أهله، وتحذر من تفاقم الأوضاع، وتقول: "أهل اليمن سيموتون جوعاً وعطشاً كما من نقص الخدمات الطبية اللازمة، إن لم تقدم الأموال الكافية لدعمهم. وهذه نقطة مهمة، فهم يحتاجون إلى الأساسيات للبقاء على قيد الحياة. الوضع فظيع وعلى المجتمع الدولي التحرك قبل فوات الأوان". وتحذر الأمم المتحدة من أنّ عملية المساعدات الإنسانية في اليمن على وشك الانهيار، فقد شهدت انخفاضاً كبيراً في نسبة المساعدات الإنسانية الأساسية، وكانت الأمم المتحدة تقدم المساعدات الغذائية لـ13 مليون يمني. وبسبب نقص التمويل، ما زال 5 ملايين فقط من هؤلاء يحصلون على حصص غذائية كاملة. وجرى تخفيض نسبة المساعدات الغذائية لثمانية ملايين آخرين إلى النصف. وتؤكد المسعد أنّ انتشار فيروس كورونا حول العالم زاد من معاناة الناس في اليمن وأثر بشكل كبير على عملهم وزاد حجم الاحتياجات في الوقت الذي انخفض فيه دعم الدول المانحة مقارنة بالعام الماضي على الرغم زيادة الاحتياجات.

الصورة
صونيا المسعد- من أرشيفها

وحول تأثير كورونا على العمليات الإنسانية في اليمن تقول: "دعيني أولاً أؤكد على عدد من القضايا التي يجب توضيحها قبل الحديث عن العمل في ظلّ كورونا، أولها أنّ ملايين اليمنيين يحتاجون إلى المساعدات الأساسية كالمياه الصالحة للشرب والطعام لكي يبقوا على قيد الحياة. النقطة الثانية هي الصراع نفسه والوضع الأمني الذي يزيد من الحاجة والأزمة الإنسانية. كذلك، تفشي الأمراض كالكوليرا وحمى الضنك، ثم الفيضانات وغيرها، وجميعها تزيد من هشاشة الوضع. وجاء النقص الشديد لتمويل العمليات الإنسانية ليزيد من المعاناة". 
تضيف: "بعد تفشي كورونا أصبحت هناك كلفة إضافية للتوزيع والحماية للعاملين في المجال الإنساني والناس على الأرض. كما أنّنا مضطرون لاتخاذ خطوات إضافية احتياطية في ظل ظروف الوباء، إذ لا نريد أن نقدم المساعدات والخدمات الإنسانية من جهة، فنضرّ بالناس من دون قصد من جهة أخرى". وتشرح: "إذا كان العمل مثلاً يحتاج إلى ثلاثة أيام لتوزيع مواد معينة أو الوصول لمكان ما فإنّنا نحتاج الآن إلى وقت مضاعف وجهد إضافي. ونحن مضطرون للعمل من بيوتنا ومكاتبنا إلا في الحالات الطارئة، ما يعني أنّ حضور العاملين في المجال الإنساني على الأرض أصبح أقل من ذي قبل". وتلفت المسعد الانتباه إلى قضية أخرى وهي توجس الناس من التوجه إلى المراكز الصحية لأسباب عدة من بينها الخوف من وصمة الإصابة بكورونا أو الخوف من التقاط الفيروس في تلك العيادات بسبب وجود مرضى آخرين. وزاد كورونا من عدد اليمنيين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية لعدة أسباب من بينها فقدان كثيرين مصادر دخلهم، خصوصاً العمال اليوميين في خدمات كتنظيف البيوت أو في المطاعم وغيرها، مما زاد من معاناتهم لأنّ كثيرين لا يشغلونهم الآن.

اسم مستعار
تؤكد صونيا المسعد أنّ العمل في هذا المجال على الرغم من المخاطر والمصاعب التي تواجهها فيه كامرأة وكعاملة في المجال الإنساني له قيمته، خصوصاً لجهة التغيير الذي يمكن أن يحدثه والأثر الذي يتركه. وعن كيفية تخطي قضايا الجندر، تقول: "ليس ذلك سهلاً، ويواجهنا كنساء أينما كنا. لكن، أحاول عدم التركيز عليه وأحياناً أحاول التحايل على الموضوع". تضحك المسعد عندما تعطينا مثالاً عن بعض الحيل التي تقوم بها، إذ تقول إنّها في بعض الأحيان عندما تتعامل مع بعض الجهات التي تعرف أنّها قد تكون محافظة وتتحسس من كونها امرأة، تجري الاتصال عن طريق رسائل نصية تحت اسم مستعار لرجل، وبعد ترتيب كثير من تلك الأمور، تنظم لقاء بشكل شخصي معهم. تلاحظ أنّ كونها امرأة لا يشكل مثالاً إيجابياً للفتيات والعائلات التي تتعامل معها فحسب، بل كذلك قد يغير نظرة البعض النمطية إلى المرأة وعملها في مختلف المجالات.