يوميات شاب عراقي: الضجيج أصبح غيمةً

يوميات شاب عراقي: الضجيج أصبح غيمةً

02 مارس 2017
+ الخط -

صباح الخير.. يقول الشاب العراقي هذه الجملة عادةً في الوقت المحصور ما بين الواحدة إلى الثالثة بعد منتصف النهار، لديه ساعتان عادة قبل موعد استراحة مولدة الكهرباء الأهلية، ساعة الاستراحة التي يستحيل فيها مجيء كهرباء حكومية، ولا أحاول هنا التلميح لأي اتفاق بين الطرفين!


تتفق العديد من الدراسات الطبية على أن نوم النهار أقل فائدة لجسم الإنسان من نوم الليل. ولأن نهار الشاب ممل ومتوتر ومزعج، ينام الشاب نهارًا، ويستيقظ متعبًا كسولًا كل يوم. أنا أحد هؤلاء، استيقظت اليوم عند الرابعة والنصف مساءً، وكان رأسي يؤلمني، انقطع التيار الكهربائي الحكومي في الخامسة تمامًا (موعد الاستراحة) وكنت أظن أني سأنتظر ساعة واحدة فقط، فبعد أن انتهت الساعة، علمت من والدي أن المولدة الأهلية معطلة.. عظيم! درجة الحرارة مرتفعة جدًّا.. سأكتفي بوجبة نودلز خفيفة ثم أحاول أن أجد ما يقضي لي الوقت.


يتساءل أمبرتو إيكو في مقدمة كتابه "كيفية السفر مع السلمون": "هل بوسع المرء أن يشمئز مبتسمًا؟ نقول: كلا، إذا كان السخط وليد الخبث والرعب، ونعم، إذا كان وليد الغباء والحماقة" نعم! هذا كتاب مناسب للقراءة الآن، يطابق الحالة النفسية لي في هذه اللحظة. فتحت باب سطح المنزل، وكان الهواء لا بأس به، تجاهلت الغبار على عتبة الباب، وجلست عليها، وجهي يضربه هواء معتدل السخونة؛ سيكون ذلك كفيلًا بتجفيف عرقي، بعد الفشل في الحصول على ماء معتدل البرودة للاستحمام، سأقرأ الآن ويمر الوقت سريعًا.

لكن لا! خبر تعطل المولدة الأهلية انتشر في الحي، وكل البيوت شغلت مولدات البيت، عليَّ الإشارة إلى أن الشعب العراقي يعتمد على ثلاثة مصادر كهرباء، ورغم ذلك يقضي عددًا من الساعات يوميًا بدون ناتج من إحدى هذه المصادر.

الضجيج أصبح غيمة فوق سطح المنزل، وبدأت الأسطر تهتز في الصفحات مع صوت اهتزاز عتلات المولدات وشخير عوادمها، أغلقت الكتاب ودخلت للغرفة مجددًا.. هل أعاود النوم؟ في الحقيقة النوم للشاب العراقي هو أكثر الوسائل فاعلية بالهروب، هذا الموت المؤقت يساعد في تجاوز حرارة الطقس، والضجيج، والجدل المستمر حول كل شيء، والتذمر الذي يرافق الجدل كذلك، ربما سينفع النوم الكثير من الشباب غيري، لكن علاقتي بالنوم سيئة، ستنفذ كوابيس الواقع إلى رأسي حالما أغفو، ستتعملق وتتغول وتزداد قبحًا، وسيكون النوم أسوأ من اليقظة، أعرف ذلك جيدًا، وسأعدل عن الفكرة.

تقترح أمي أن نشغل مولدتنا الخاصة، هذا القلق الرهيب الذي يخلق سوسة في رأسي يعود من جديد، أحاول أن أخبر أمي أن البقاء في الظلمة والحرارة أفضل بكثير، لكني لست غريبًا عن جوابها وإصرارها، أعرف أن لا نفع من المجادلة، أوافقها، وأجلس بعد تشغيلها قلقًا أكتب عن هذا اليوم السيئ، في انتظار نفاد وقود المولدة أو تعطلها.

علبة سجائري تشارف على الانتهاء، وعليّ أن أشتري واحدة لما تبقّى من الليل. نسيت أن أذكر أن التدخين أحد هوايات الشاب العراقي رغم وجود عدد يذكر من الشباب غير المدخنين في العراق.

المساهمون