يحدث في أميركا فقط (3)

يحدث في أميركا فقط (3)

08 يونيو 2020
+ الخط -
في بابها الأسبوعي (فقط في أميركا) الذي ينشر في كل أسبوع الأخبار التي لا تسلط عليها وسائل الإعلام الضوء الكافي برغم غرابتها ودلالاتها، نشرت مجلة (The Week) في طبعتها الأميركية الأخبار التالية والتي يمكن أن يحدث بعضها في غير أميركا، لكن اختيار العنوان نفسه له دلالة تتعلق بالتصورات الشائعة لدى أغلب الأميركيين عن بلادهم وكيف يجب أن يكون عليه شكل الحياة فيها، أترككم مع مجموعة جديدة من تلك الأخبار:

ـ على صفحتها في الفيس بوك كتبت مدعية عامة بولاية ميسيسيبي قائلة: "دعونا نأمل أن ينتشر فيروس كورونا القاتل بقوة في أحداث الشغب"، وبعد أن أثار ما كتبته موجة غضب عارمة، قامت باميلا هانكوك المؤيدة لترامب بحذف البوست، وقالت إنها لم تكن تقصد ما كتبته، وأنها ضد أي خرق للقانون أو ارتكاب أي فعل إجرامي، وكل ما هنالك أنها كانت تمزح وهي تتمنى لمن قاموا بنهب المحلات أن يموتوا، "لكي تخفف من كآبة ما يحدث حولنا ليس إلا".

المفارقة أن ولاية ميسيسيبي التي تعمل فيها المدعية العامة الحريصة على عدم خرق القانون، كانت قد أعلنت في نفس الأسبوع بوصفها "أقل الولايات أمناً في أميركا"، بناء على تحليل لما وقع فيها من جرائم، وحوادث مرورية واختبارات للأمان في أماكن العمل، ورصد لحوادث إطلاق النار الجماعي، وعدد آخر من العوامل التي حددها موقع (واليت هَب)، وجاءت بعدها ولايتا لويزيانا وفلوريدا في المركزين الثاني والثالث، في حين قام الموقع بتصنيف ولايتي مين وفيرمونت بوصفهما الولايتان الأكثر أمناً في البلاد.


ـ اتهم أعضاء ديمقراطيون في المجلس التشريعي لولاية بنسلفانيا زميلهم الجمهوري أندرو لويس بتعمده إخفاء إصابته بفيروس كوفيد 19، والاستمرار في حضور جلسات المجلس والالتقاء بزملائه دون أن يصارحهم بحقيقة إصابته بالمرض الذي عرف بأنه مصاب به منذ 20 مايو الماضي. أندرو لويس أنكر التهمة وقال إنه قام بإبلاغ الخبر لكل من قام بالاتصال المباشر معه، وهو ما ينفيه زملاؤه الديمقراطيون الذين قالوا إنه لم يبلغ أحداً منهم بل قام بتحذير المنتمين إلى الحزب الجمهوري فقط، وأنه فعل ذلك لكي لا يؤثر على سياسات حزبه التي ظلت لفترة طويلة تستخف بحجم خطورة الفيروس المستجد.

ـ قام مسئولو الصحة في مقاطعة فرانكلين بولاية أوهايو بسحب دليل كان قد تم توزيعه على سكان المقاطعة يتحدث عن الإرشادات التي يجب أن يتم اتباعها في استخدام الكمامات والأقنعة الطبية، حيث وجه الدليل تحذيراً للقاطنين في "أحياء الملونين وتجمعاتهم السكنية" من الرموز التي تستخدمها العصابات، منبهاً أن عليهم أن يتجنبوا ارتداء أي أقنعة عليها جماجم أو رموز شبيهة برموز العصابات، ومحذراً من ربط مناديل أو أربطة ضاغطة حول الجبهة لأن ذلك يمكن أن "يشير إلى سلوك غير مرغوب فيه"، وبعد أن أثار الدليل غضب الكثير من المواطنين، لم يتم الإعلان عن محاسبة من قام به، لكن مسئولي المقاطعة قالوا إنهم يتفهمون "لماذا تم اعتباره مسيئاً لمشاعر الملونين".

ـ تعرضت أستاذة بجامعة ولاية ميتشيجن للانتقاد لأنها طلبت من تلاميذها أن يلقوا نظرة إلى ما يظهر خلفهم على الحوائط أو إلى جوارهم حين يشتركون في المحاضرات التي تلقيها عبر الإنترنت، لكي لا يمارسوا تحيزاً غير واعٍ تجاه بقية زملائهم. الدكتورة إيمي بونومي اعتبرت أن عرض صور الزفاف بين رجل وامرأة يعتبر نموذجاً لذلك التحيز، لأنه "يعزز بشكل غير متعمد فكرة أن زواج الرجل والمرأة هو الشكل الأكثر مناسبة للعلاقات بين الجنسين"، مضيفة أن على الجميع أن ينتبهوا إلى "من يقومون باستبعاده أو بإدماجه من خلال ديكورات منازلهم التي يعرضونها للآخرين".

ـ صاحبة محل كوافير بولاية ويسكونسن رفعت دعوى قضائية على الولاية، متهمة الولاية بأنها تعدت على حريتها الدينية التي يكفلها الدستور، حين قررت إغلاق محلها الذي يحمل اسم (كينجدوم كتز) ضمن قرارات مكافحة انتشار فيروس كورونا، والتي قضت بغلق كل صالونات الشعر والتجميل. جيسيكا نيتزيل قالت إن محلها ليس مجرد صالون حلاقة، بل هو دار عبادة تمارس فيه طقوس التعبد في صورة تصفيف الشعر، ويبدو أن جيسيكا لم تكن تتابع الأخبار بالقدر الكافي قبل قيامها برفع القضية، لأنها لم تعرف أن كل دور العبادة في الولاية لا زالت مغلقة بحكم القانون، وستظل مغلقة حتى تقرر السلطات فتحها، خصوصاً بعد أن أصدرت المحكمة العليا قبل أسبوع حكماً بأن غلق الكنائس ودور العبادة في حالة الوباء لا يعد اعتداءً على الحريات الدينية ولا يخالف الدستور.

ـ عبّر عضو مجلس تشريعي في ولاية ألاسكا عن غضبه من إجبار أعضاء المجلس التشريعي على عمل فحوصات طبية لتحديد إصابتهم بفيروس كورونا المستجد من عدمه، لكنه قرر أن يقارن تلك الفحوصات بالهولوكوست الذي تعرض له اليهود في ظل الحكم النازي، وحين قيل لأعضاء المجلس إن من يثبت عدم إصابتهم بالفيروس سيتم منحهم ملصقات تثبت خلوهم من الفيروس، علّق بن كاربنتر ساخراً: "هل هناك ملصقات عليها نجمة داود الصفراء؟"، لكنه اعتذر فيما بعد عن تصريحاته مؤكداً على احترامه لمعاناة اليهود في معسكرات الاعتقال، لكنه أضاف أن تساؤله لم يكن بعيداً عن حالة العزل التي تستهدف المصابين بالفيروس، والتي توحي أنه سيتم تجميعهم وأخذهم إلى مكان ما بعيداً عن المجتمع.

ـ تمكن نزيل في سجن بولاية شيكاجو من الهروب بعد أن وضع على وجهه قناعاً طبياً يستخدمه الجراحون، وتظاهر بأنه من السجناء الذين صدر قرار بإطلاق سراحهم لتخفيف الضغط على السجون بعد انتشار وباء كورونا المستجد. جاكويز سكوت البالغ من العمر 21 عاماً قام بدفع مبلغ مالي لزميله كوينتن هندرسون لكي يدعي النوم حين ينادي حراس السجن على اسمه لكي يقوم بإجراءات الخروج من السجن، وقام بالخروج من الزنزانة بعد أن سمع الحراس ينادون على اسم زميله، ولم يقم الحراس بالتعرف على وجهه الذي أخفى القناع ملامحه، ليخرج بالفعل من السجن، ويظل هارباً لمدة أسبوع قبل أن تلقي المباحث الفيدرالية القبض عليه وتعيده إلى السجن من جديد. أكثر ما أدهشني في الخبر لم يكن سهولة خروج سكوت من السجن، وإنما أن المبلغ الذي حصل عليه كوينتن هندرسون لكي يتخلى عن حريته كان 500 دولار أميركي فقط لا غير.

ـ لضمان التباعد الاجتماعي وبقاء زبائنه مبتعدين عن بعضهم بالقدر الكافي للنجاة من الفيروس، قام صاحب مطعم بولاية ميريلاند بتصميم ترابيزات متحركة على شكل عوامات، يقوم الزبون بارتدائها فور وصوله إلى موقف سيارات المطعم ويتحرك بها، بحيث يضمن له قطرها البالغ ستة أقدام أن لا يقترب منه أحد أكثر من اللازم، وقد لقيت التجربة ردود أفعال إيجابية من الزبائن الذين اعتبروا أن التحرك داخل تلك العوامات التي تجعلهم أشبه بالمعاتيه، أرحم من حبسة البيوت المملة التي ستقودهم لا محالة إلى العته.

ـ للتغلب على حالة الملل التي تعاني منها الحيوانات في حديقة حيوانات كنساس سيتي بسبب إغلاق الحديقة منذ بدأت إجراءات الحظر في المدينة بعد انتشار وباء كورونا المستجد، تم ترتيب زيارة قام بها بعض بطاريق الحديقة إلى متحف نيلسون ـ أتكينز بالمدينة، بعد اتفاق تم بين مدير حديقة الحيوان ومدير المتحف. قال مدير حديقة الحيوانات للصحفيين إن الزيارة جاءت بهدف تسلية وتحفيز البطاريق على الخروج من حالة الملل والكآبة التي أصابت الحيوانات بسبب غياب الزوار عن الحديقة، أما مدير المتحف الذي راقب تجول البطاريق في قاعات المتحف وتحديقها في اللوحات فقط لاحظ أن البطاريق تفاعلت مع لوحات الرسام الإيطالي كارافاجيو أكثر من تفاعلها مع لوحات الرسام الفرنسي الأكثر شهرة كلود مونيه، وهو رأي أتفق فيه مع البطاريق بشدة.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.